احمد كيوان: كأن على رؤوسهم الطير!

التاريخ : 2019-02-22 09:15:46 |

عُقد قبل ايام مؤتمر في وارسو عاصمة بولندا مؤتمر بمشاركة نحو ستين دولة، دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية، من اجل تضييق الخناق على ايران ومحاصرتها اكثر مما هو جارٍ الآن، وان كانت هناك عناوين اخرى للمؤتمر مثل "الامن والارهاب في الشرق الاوسط". وكان الحضور الاوروبي خجولا، حتى ان وزير الخارجية البريطاني، وبعد ان تحدث عن الحرب في اليمين، غادر المكان كي لا يكون جزءًا من السيرك الامريكي ضد ايران.    ولست هنا بصدد تقييم هذا المؤتمر، الذي كان بكل المقاييس فاشلا جدا بالنسبة لحصار ايران. ولكن اللافت للنظر هو كرنفال التطبيع الخليجي العلني مع الاحتلال الاسرائيلي، حيث كان بنيامين نتنياهو بمثابة "الجوكر" في هذا المؤتمر. ومن سخريات القدر ان يتهافت يوسف بن علوي وزير خارجية عُمَان، وبشكل مهين، لمصافحة نتنياهو، وكان كمن يسعى لأخذ البركة منه مع ان بلده عمان لم تكن في يوم من الايام لا في "العير ولا في النفير" بالنسبة للقضية الفلسطينية! ومن سخريات القدر ايضا ان يجلس وزراء التطبيع الخليجي، السعودية والبحرين والامارات، على يمين نتنياهو، بينما جلس على يساره خالد اليماني الذي كان يمثل حكومة عبد ربه منصور هادي، الهارب من صنعاء الى السعودية، والذي اصبح دمية في يد السعودية التي جعلت منه رئيسا وممثلا لليمن في المحافل الدولية. واذا كان امثال خالد اليماني هو من جاء به الامريكيون مع صنائعهم الصغار الآخرين للتطبيع العلني مع الاحتلال الاسرائيلي توطئة لإعلان ما يسمى "صفقة القرن" الامريكية، اذا كان هؤلاء وامثالهم هم "فرسان" التطبيع "فأبشر بطول سلامة يا مربع"، كما قال الشاعر العربي جرير.

ويبدو ان نتنياهو كان منتعشا ظاهريا، لان هؤلاء الوزراء الخليجيين العرب ومعهم الملحق اليمني الضال سيحاول استغلالهم في معركته الانتخابية على انه سجل اختراقا كبيرا في اقامة "علاقات" مع العالم العربي باستثناء سوريا، كما قال في وارسو. وهذا كذب وتضليل لان الجماهير العربية، وفي هذه الدول التي تجاهر بالتطبيع مع الاحتلال، ترفض رفضا قاطعا ما يفعله حكامها. ففي اليمن مثلا خرج مئات الالوف من اليمين في صنعاء وصعدة والحديدة رفضًا للتطبيع ودعمًا لحركات المقاومة. كما ان العلاقات التي طفت على السطح الآن بين هذه الانظمة واسرائيل كانت قائمة ومنذ عشرات السنوات، ولكن بشكل علني. فانا اذكر انه في ثمانينات القرن الماضي نشرت الصحف الاسرائيلية تقارير عن اطباء اسرائيليين تواجدوا في الرياض عاصمة السعودية، لمعالجة الامراء السعوديين من الضعف الجنسي! وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على علاقات كانت قائمة، ولم يأتِ الاطباء الاسرائيليون الى هناك دون مقدمات. واغرب ما في الامر ان الوزير السعودي عادل الجبير، وحين خرج من قاعة المؤتمرات في وارسو مع زملائه التطبيعيين الآخرين، كانوا جميعا كأن على رؤوسهم الطير، او كالهارب من فعلة شائنة حصلت له للتو، اذ لاحقتهم وسائل الاعلام لتسمع منهم ولو كلمة واحدة، لكنهم ملأوا افواههم ماء وحثّوا الخطى مسرعين حتى يبتعدوا عن الصحافيين ووسائل الاعلام. فقد وجدوا انفسهم في لحظة ما يخجلون من افعالهم الشائنة، التي وظّفها نتنياهو من اجله، مع انه في قرارة نفسه كان يحتقرهم احتقارا شديدا، ويشمئز من وجودهم على مقربة منه، وهو الأدرى بهم ويعرف جيدا كم هم اذلاء، وانه لن يكون بمقدورهم ان يقدموا له الخدمة التي تساعده حقا في الشدائد والملمات، لان هؤلاء يبحثون عن راع لهم لتثبيت حكمهم مدة اطول. فالمال الذي بأيديهم، وهو اصلا لشعوبهم، لم يكن مصدر قوة لهم وانما تحوّل الى كابوس عليهم، لان المستفيد الحقيقي منه هم اسيادهم الامريكيون.

 وهنا لا بد ان اشير الى انني لست قلقا جدا من مخطط "صفقة القرن"، مع انه خطير للغاية، لان هذا المخطط لن يمر طالما ان الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده يرفضه رفضا قاطعا. ولا احد يستطيع ان يفرض على هذا الشعب حلولا لا يرضاها ولا يقبل بها، وهو الذي يقاتل منذ مائة عام ولم يرفع في يوم من الايام الراية البيضاء. واحب هنا ان اتساءل: طالما ان عربان الخليج التطبيعيين قد فعلوا فعلتهم علنًا وعلى رؤوس الاشهاد، وهم انفسهم اصحاب مبادرة بيروت العربية للسلام، كما قالوا، واشترطوا قبول اسرائيل بحل الدولتين، وبعد ذلك يمكنهم ان يطبّعوا، فيف لهم اليوم ان يخرجوا على مبادرتهم التي لم تعد موجودة، وهي في الاساس لم تكن موجودة على ارض الواقع بل كانت "طُعما" للعرب وللفلسطينيين حتى يقبلوا بما لا يستطيعون قبوله؟! وعليه، فقد حان الاوان ان يقول الفلسطينيون، وبشكل علني وصريح، وردا على هذا التطبيع الذليل واستباقا للإعلان الامريكي عن صفقة القرن، ان ما يسمى "بالمبادرة العربية للسلام" لم تعد موجودة، لان اصحابها دفنوها في دهاليز وارسو، وقبل ذلك في الدهاليز التي لا اول لها ولا آخر!

وازاء كل ما يحدث، فان الشعب الفلسطيني يبقى صاحب الكلمة الاولى والاخيرة. وهو قادر بوحدته الوطنية، ووحدة قواه الفاعلة والحيّة، ان يتخطى المرحلة القادمة لا سيما وان بشائر انتصار محور المقاومة اصبح وشيكا. وهو بلا شك الرصيد الحقيقي للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الثابتة في الصراع، الذي لم ينتهِ بعد!!