محمود تيسير عواد: فارق توقيت

التاريخ : 2019-03-29 06:26:41 |

الصيف على الأبواب.

رحل الشتاء مبكرا هذا العام، مخلفا امطارا غزيرة، ونبوءات بموسم وفير، ولم يستثنينا من هباته السخية كما للأرض،  المتمثلة بمنحنا  بارقات امل جديدة، بالإصلاح والتجديد.

بعد جرعات تثبيط العزائم التي تجرعتها مجتمعاتنا قسرا، والتي لم تتوقف الى لحظة اعداد هذا العدد، كنا على موعد وبناء جسور الثقة من جديد، بين المواطن والسلطة ورموزها ، التي هدمتها بعض القيادات السابقة لمجتمعاتنا ، والتي خطت الاحلام وكدستها بعد ان طوتها،  قبل ان يجف حبرها في أرشيف النسيان والتغاضي ، ولكن ازهار الربيع هذا العام أتت مبشرة يانعة خضراء تزف الينا بشرى العهد الجديد من العمل والإصلاح،  وإخراج الوعود التي قطعتها الإدارة الحالية للبلدية على نفسها ، بأقرب وقت بعد ان باتت مخططات بعض المشاريع الملحة، على نار الاعداد والتهيئة .

لم تأتي هذه المقدمة من فراغ ، او من باب الدعاية الجوفاء الى المواطن التواق حقا للخروج من عنق الزجاجة ، ولكنها كلمة الحق الواجب كتابتها ونشرها بموضوعية ومهنية الى الناس بعد الهمز واللمز وانتشار الاقاويل التي يتناقلها البعض جهرا وسرا، في سبيل تشويه عمل الإدارة الحالية التي لا ناقة لها ولا بعير في مخلفات الماضي او اضراره وتبعاته، والتي باتت في موقف المتهم ، قبل ولوجها الى أروقة اتخاذ القرار.

لم تدعي الإدارة الحالية امتهانها ، واتقانها  مهنة  السحر ، ولكنها بصدد تطويق الاضرار بقدر المستطاع وبالإمكانيات المتاحة حالية ، خصوصا وان البلاد مقبلة على انتخابات عامة مما يمنع او يصعب عملية الحصول على الميزانيات من الوزارات المعنية ،  الى ما بعد انتهاء هذه المرحلة المفصلية ، كما وانه من الواجب منح هذه الإدارة الوقت  القانوني اللازم الممنوح لغيرها،  قبل ان تحكم بعض الجهات  المتربصة عليها بالفشل ، او النجاح .

  جدل عبثي.

ليس سرا ان اغلب حلقات  جدالنا اليومي بات عبثي بعد ان بات يفتقر الى الموضوعية، بل بعد ان باتت أزمات الهوية العاصفة بأغلب شرائح عرب الداخل تطغى على حوارهم، الذي سرعان ما سيتحول الى حرب عقيمة ،لا يثمر عن أي نتيجة مجدية ، بل بعد ان زج بغالبيتها الى بوتقة التقوقع الحواري، والتمسك بالراي الثابت الغير قابل للجدال، ولا التزحزح من مكانه قيد انملة، ولو كان على ضلال.

لعلي اذهب لمجادلة الناس بالتي هي احسن، كما نص دستور المسلمين، او كما تنص عليه الأعراف ربما من باب احياء روح الجدال الحواري الثقافي، الذي بتنا نفتقر اليه للأسف في اغلب قرانا ومدننا، ومدارسنا مغيبين عنا اعظم صفة من صفات الإسلام، وكرمه علينا ، بل متغاضين عن صفة وقيمة من صفات الإنسانية التي تدفع جيلا كاملا الى اعتناق أفكار ظلامية، او انحلالية ، او تقمس شخصيات عنيفة ملطخة ايديها بدم العبثية، بأرواح الناس على  طريق زهق نفس زكية، كلما طلعت الشمس على قرانا ومدننا المنكوبة عنفا  واجراما ، او غربت.

متى سيكون الحوار سيد الموقف؟ ، في الوقت الذي خلقنا أناس كباقي البشر لنا صفاتهم الادمية، ولكننا لا نملك صفاتهم الخلقية، التي يتباهى البعض انها حكرا عليهم، والا لما استباح البعض اعراض الناس ومقدراتهم، ولا سمح البعض بالاعتداء على أملاك الناس الخاصة، او العامة،  او وما تطاولت السنتهم اللاذعة على أفكارهم وانتماءاتهم الدينية ، او العرقية، او توجهاتهم الفكرية بكل وقاحة وصلف.

بالعلم نرتقي ، وبالتعاون نلتقي.

لا زلت انادي بالجوار السلمي في هذه البلاد، والتبادل السياحي والثقافي بين أبناء الدولة، يهودا وعربا ولن اتباهى بعدد المرات التي طالبت ولا زلت بها تسويق مدننا وقرانا ، سياحيا وثقافيا، في مهمة بناء جسور الثقة المتهاوية بين الشعبين،  بفعل الأفكار المغلوطة عنا، والتي سخرت لها مقدرات إعلامية ممولة جبارة ومنهجية ، ولن تكون مهمة إعادة هيكلة صورة قرانا ومدننا المشوهة بفعل عدة عوامل تعود الى التهميش او الاقصاء باليسيرة ، ولكنها لن تكون بالمقابل ضربا من ضروب الخيال، ان كتب لتلك المجهودات الجبارة  ان تترعرع ، وتنمو بأحضان الدعم الجدي الفردي والمؤسساتي المدروس.

اهلا بالوافدة الى مدارسنا ولا اقصد غير المعلمة العبرية المتدينة "ايطال ليفي" ، مدرسة اللغة العبرية في صفوف مدرسة قحاوش المحلية، هذه الخطوة التي لاقت ترحيبا منقطع النظير، بعد ان باتت مجهودات الداعيين من أوساط محبي السلام، والعيش المشترك في هذه البلاد تؤتي اكلها وثمارها ، ولا أرى في هذه الخطوة سوى اللبنة الأولى لبناء صروح التبادل العلمي التربوي، الذي سيعود على مدارسنا وطلابنا بالمنفعة اللغوية أولى ، وتطوير أساليب المهارات  وصقلها وتنوعها ،التي افتقرت اليها مدارسنا ،او بعضها.

التعاون والشراكة والتبادل العلمي ، نوع من أنواع الجوار الحسن، والعيش السلمي، وهو أداة فعالة من أدوات كسر الحواجز النفسية، التي نصبت لأكثر من سبعين عام، رغم انوف المتطرفين من كلا الجانبين او أصحاب المارب الخاصة، التي تهدف أفكارهم تلك الى انشاء جيل يتصف بالتطرف الفكري، بمكان جيلا يطمح للرقي والسلام، جيلا يقدم لمجتمعاته الفقيرة الى المعرفة أساليب عمرانية، لا هدامة وأفكار نيرة لا ظلامية ، تنير للسائرين على دروب السلام والمحبة، شمعات الامل والطموح.

  أيها الناس انا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا