|
|
|
قراءة في رواية "عودة ستي مدللة" للروائي الفلسطيني مصطفى عبد الفتاح.. بقلم: حسن عباديالتاريخ : 2019-06-25 14:24:45 |كانت صفوريّة كُبرى قرى قضاء الناصرة، في فلسطين، من حيث عدد السكّان ومساحة الأرض، وتُشدّد الرواية الإسرائيليّة المتعلّقة باحتلالها على شُهرتها بمقاومة القوّات الغازية، وقد احتلَّت تمهيدًا للهجوم على الناصرة، قاومت تقدّم الجيش الإسرائيلي مقاومة شديدة، ثلاث طائرات إسرائيليّة قصفت القرية ليل الخامس عشر من تموز، مُلقية براميلًا مشحونة بالمتفجّرات والشظايا المعدنيّة والمسامير والزجاج، وقد قتلت القنابل نفرًا من سكّان القرية وجرحت الكثيرين، وطُرد من نجى لكنّ تسلّل المئات منهم عائدين في الأشهر اللاحقة، وطُردوا ثانية وسُويّت القرية بالأرض. سقطت القرية أمام الجبروت العسكري لقوى الاحتلال ليتشرّد أهلها في شهر رمضان إلى السهول وظلّ الاشجار، إلى الكهوف والجبال؛ كلّ وبقجتِه، الخوف والذعر سيّد الموقف، وتغيّرت الحال؛ "لم يرتفع فيه الآذان، ولا قرعت أجراس الكنائس ولم تخرج الاغنام للمراعي مع الرعاة، لم يصِح الديك، لم تبض الدجاجات". اللجوء، على أنواعه، والتشريد هو الثيمة الرئيسة في الرواية، الفقد والغياب هو سيّد الموقف ويطغى على الرواية وشخصيّاتها، على أحداثها وقصصها وقضاياها المتداخلة، المتشعبّة والمتشابكة. يتناول التهجير والتشريد وحلم العودة الحاضر في كل خطوة من خطى ستّي مدلّلة وابنها وكنّتها فاطمة ويستحوذهم ليُصبح شغلهم الشاغل، وكلّ مشرّد ولاجئ يحمل معه كلّ الوقت بقجته، كوشان أرضه ومفتاح بيته آملًا بعودة قريبة. الحنين يخنق الروح، فلا شيء يُشبع الحنين إذا استبدّ بنا في الغربة. كثيرًا ما نحتاج أن نروي لشخص آخر حكايتنا حتى نفهمها، فخلال السرد نكتشف الكثير من بواطن الغموض الذي كنّا لا نفهمه قبل ذلك، ففيه تفريغ الذاكرة من شُحنة مُرعبة من الصور والأحداث والتداعيات وعلاج للتنفيس عن الكتمان والاحتقان، فأن تتذكّر كلّ شيء مع التفاصيل الدقيقة التي تدمي القلب، لكنّها تنعش الروح. تقصّ الحكاية دون أن تنسى حرفًا واحدًا، وكأنّها مطبوعة كشريط مسجّل تعاود سردها في كلّ مرّة من جديد بلا كلل أو ملل، وهذا ما يحكيه ويورثه أهلنا في الشّتات، جيل بعد جيل، ليرسّخ في الأجيال القادمة حلم العودة، كلّ إلى صفّوريتِه، وحلمها: "سيأتي يوم ونعود إلى قريتنا، أمنيتي الوحيدة أن يدفنوني هناك إذا لم أستطع العودة إليها"(ص.171). كاتبنا قارئ ومثقّف نبيه، فحين يستشهد بالطاهر وطّار "لن يبقى في الواد غير حجارته"(ص. 20)، بشكسبير "تكون أو لا تكون"(ص.23)أو فيلم "لا وقت للحب في وقت الحرب" (ص. 34) يأتي الأمر طبيعيًا دون ابتذال وتصنّع، وكذلك الأمر بالنسبة لاطّلاعه على اللغة العبريّة وآدابها وتمكّنه منها؛ "حبّة التفّاح لا تقع بعيدًا عن الشجرة"(ص.19)، "بدأ المشهد ككرة الثلج المتدحرجة"(ص.48)، "تفكير وإعادة حسابات"(ص.59)،"عند قدمَي قريتهم"(ص.62)، "تتساقط كأحجار الدومينو"(ص.70). ذكر الكاتب ستّي مدلّلة 232 مرة!!! عبر صفحات الرواية بتكرار مُحبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها أكبر بكثير. كان يكفيها ما جاء في الصفحة الأولى ليزيدها دلالًا! لفت انتباهي كثرة الأخطاء المطبعيّة ممّا ظلم مصطفى وروايته، وهنا ألوم الناشر الذي لم ينتبه لتلك الأخطاء وجعل من ظاهر العمر الظاهر عمر (ص.47)وجعل يعبد قريبة من صفورية (ص.19)، وأناشد عرض نصّ كلّ منّا على منقّح/منضّد/محرّر لغوي قبل النشر للتعلّم والإثراء والتمحيص. كُتب الكثير عن صفوريّة، وكُتب عن الكويكات والطنطورة والشجرة، وحبّذا لو يكتب أدباءُنا عن باقي قرانا ومدننا المُهجّرة لأنّه هناك ضرورة مُلحّة لدحض الرواية الصهيونية التي علّمونا إياها منذ الصغر . روايتنا الشفوية الصادقة مُهمّشَة ومُغيّبَة وستّي مدلّلة تُشكّل لُبنة ومدماك أساسي من فسيفساء لم يكتمل. ملاحظة لا بدّ منها - بتاريخ 21 أيلول 2016، على أرض الدامون المهجّرَة، أحيت غدير عزّات بقاعي مراسيم حفل زواجها لتُحقّق حلمها بالعودة! أعادت الحياة إلى الدامون، حقّقت حلمَها بالزواج على أرضها التي اشتاقت الفرح، وحازت بجدارة على لقب "عروس العودة". كتَبت في حينه: "ما زلتُ اعتقد حتّى اللحظة أنّ ما حدث ليلة عُرسي مجرّد حلم !! هو فعلًا كان أحد أحلامي أن أُحيي هذه الأرض التي لم تشهد فرحًا منذ عام 1948 ... عُدنا لأرضنا في الدامون، رغمًا عن أنف كلّ من لا يروقه تحقيق هذا الحلم، من السلطة وغيرها، لم أتخيّل فرحي يومًا سوى على هذه الأرض، ولا أخفي عنكم مشاعري الجيّاشة وشعوري بالنشوة تجاه ما حدث تلك الليلة تحديدًا. أن تُعيد شيئًا كنت خسرته رغمًا عنك في الماضي وتشعر بانتصار الفرح على الذلّ والاضطهاد، الفرح أن تفرح مع الناس التي تحبّ وبالزمان الذي تًحبّ والمكان الذي تُحبّ". حسن عبادي تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |