|
|
|
نائلة تلس محاجنة: في أروقة غرفة الطوارئالتاريخ : 2019-10-14 15:00:21 |كانت لحظات الأصيل مشارفة خلال رجوعها من الجامعة على احدى الطرق المكتظة في هذا الوقت بازدحام مروري خانق، ولكنها كانت في قمة يقظتها وهدوئها، تقود سيارتها في سرعة بطيئة تتأمل "الكسّارة" التي ملأت المكان غباراً ينهش بتاريخ الارض وصبغتها، والجانب الآخر الذي تنتصب به أشجار صامدة في هذه الارض المقدسة ... وبلحظة مباغتة كأن كائناً من الكوكب الآخر لطم بخلف السيارة حتى رفعها لأعلى لتسقط بقوة وتصطدم بسيارة أمامها. لم تشعر حينها الا بأنفاسها تُحتبس في رئتيها وتغلق الأوردة أبوابها مغيبة الأمانة في إرجاع الدم المحمل في الأكسجين، وبدا العالم من حولها كما دولاب يتدحرج على أحد منحدرات حدودية الهوية تلتف فيها الناس في تهاتف متناقض، الى ان وصلت سيارة الإسعاف المكان ليضعها الطاقم كما قالب حجري ويحزمها بأحزمة الموت.... وصلت غرفة الطوارئ يتلوى وعيها بين أصوات الأقدام وقامات ترتدي الأخضر الباهت وبين غيابات الألم وازدحام الأوجاع... فشعرت بجسدها يتكدس كما صخرة جاثمة على لوح خشبي يلتف على رقبتها طوق الرقبة اللعين. خلال وقت لاحق جاءت الممرضة تخاطبها متوقعة سلسلة من الإجابات!!! وتمسك اطرافها دون الشعور بطوفان الألم... تركتها وغابت... حتى اضطر طاقم الإسعاف المرافق ان يضعها على أحد الاسرّة دون التأكد من صلاحية التعقيم ونظافة المكان. هي لحظات اشبه بسجن الشوك، ان يسيطر عليك العجز عنوة. تركوها لساعات دون وصول طبيب، وبين لحظة وأخرى يشَق الستار لتطل عليها ممرضة تنظر اليها بنظرات مكفهرة تحمل سحابات قاتمة في حالة من الاغتراب، في حين لا يزال اللوح الخشبي يفقدها الاحساس بالحيز والياقة كاتمة لإنفاسها. وبعد كثير من الانتظار وصل طبيب العظام لينتزع الياقة كما ينتزع الحارث منجله من بين أكوام السنابل! متناسيا الدرس الاول بالإسعاف. ويغيييييب... خيمت ساعات من الغياب والتجاهل ليتخبط اروقة دماغها وثنايا افكارها سيناريوهات من الظلام الدامس ... الى أن وصل الطبيب المسؤول بذات الدورية، بدأ باستجواب وصفي للحادث، يستخبر بحاجب مرفوع وآخر منكمش!! وهي بجمل متقطعة تصف ما حدث، وان رأسها التطم بالمقود فيقاطعها "لنقل ان هذا ما حدث" جملة صفراء من طبيب بملامح واصول مكسيكية ولسان عبري ليس طليقاً ليأخذ وظيفة محقق "محتل" بدلا من طبيب بصفات ملاك... لتسأل نفسها هل دُرّس الإنسانية قبل الطب!؟ وهل يستشعر الألم كما البشر!؟ وهل أُشبع غذاء الشك بالمرضى دون اليقين بالرحمة!؟ وهل تعلم لغة التواصل واخلاق المهن الإنسانية!!؟ هي لحظات تجسد الغربة داخل الوطن... والوطن الغريب داخل النفس والروح...هي الروح حين تُمزق على ارض الوطن وفي أروقة غرفة الطوارئ....
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |