الحكمة كما انعكست في أَشعارٍ تبدأ بكلمة "إذا".. بقلم: د. محمد حبيب الله

التاريخ : 2020-04-26 18:34:27 |

مقدمة لا بد منها:
عندما تتحدانا الكورونا وتنغّص عيشنا لا بد من اللجوء الى ما ينسينا ذلك في هذه الفترة العصيبة والثقيلة على نفوسنا والمعكرة لصفو ومتعة حياتنا. لا بد من شيء نمتّع نفسنا فيه ولا بد من قضاء وقت في المطالعة والقراءة مع خير جليس في الزمان الا وهو الكتاب. جميل جدا ان نقرأ اشعار تُدخِل البهجة والمسرَّة في النفوس، وذلك بدلا من الجلوس واطلاق عنان التفكير بأشياء وهمية يمكن ان تقضي علينا. ان التفكير بلا شيء والتفكير بأمور غير واقعية قد يؤدي الى الهذيان، وربما يوصل الانسان الى حالة من الجنون. هذا ما قاله "كونفوشيوس" حكيم الصين:" التفكير بلا شيء قد يؤدي الى الهلوسة والجنون". اليك يا قارئي العزيز اسوق هذه الابيات من رائع الشعر العربي والتي تبدأ بكلمة "اذا" وتعبر عن الحكمة في الحياة.
الحكمة هي عبارة عن قول يعبر باختصار عنه تجربة مرّ بها الناس، ويستفيد منها القارئ أو السامع من أجل توجيه سلوكه أو من أجل نصح الغير. وقد قيل "الحكمة ضالة المؤمن" أي أن الحكمة هي كلام يستهدي الإنسان به إذا ما ضلّ وأضاع الطريق، واتباعها تَرُدُّ المؤمن عن الضلال والخطأ، وتعيده إلى الصواب في القول والصواب في الفِعْل. وقد وردت الحكمة على لسان كثير من الحكماء والأدباء والشعراء، فحفظها الناس في عقولهم وقلوبهم ويستعملونها عندما يَمُرّ الواحد منهم في تجربة ويريدُ تأكيدها ودعمها بالحكمة التي تناقلها الناس على مرّ العصور. والشعر العربي مليء بالحكم، وقد لفت نظري ان الشعر الذي يبدأ بكلمة "إذا" الشرطية يحتوي الشرط وجواب الشرط كما تعلمنا عن ذلك في القواعد وقيل في إعراب "إذا" بأنها أداة شرطية غير جازمة في مقام المضاف وما يليها من ناحية الإعراب هو جملة بمثابة مضاف إليه، في هذا المقال أود أن أسوق للقارئ بعضًا من هذه الأبيات الشعرية التي تبدأ بكلمة "إذا" وهي أبيات كثيرة أغنت تراثنا الأدبي، وسأضيف لكل بيت شعر يبدأ بكلمة "إذا" شرحًا وتعليقًا مقتضبًا يفسّر المراد من هذا البيت الشعري، وما هي الحكمة الكامنة في طياته. إليكم الأبيات:

1) إذا غادَرْتَ في شرفِ مرومِ
فلا تقنع بما دون النجوم

أي إذا كافحت وجاهدت من أجل نيل درجة أو علم وإذا سَعَيْتَ من أجل الحصول على أمر يزيدك شرفًا فلا تتوقف بل ثابر واستمر ولا تكن من القنوعين والذين يكتفون بالقليل بل يجب أن تكون طموحًا إلى العلى.

2) وإذا أئتك مَذَمتّي من ناقصٍ
فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ

أي إذا ذمّك إنسانٌ وضيع وحقير فهذا الذمّ هو عبارة عن شهادة لك بالكمال، هذا البيت يضرب مثلاً بين الناس إذا سمعوا ذمًا من شخص لا يحترم الغير لشخص معروف بين الناس بأخلاقه الرفيعة والحميدة وهو بيت شعر للمتنبي في قصيدته المعروفة "لك يا منازلُ في القلوب منازل" هذا البيت يذكرني بما حدث لأبي العلاء المعرّي عندما كان في مجلس أحد الخلفاء وكان متشتعاً للمتنبي، وعندما بدأ مَنْ في المجلس بذم المتنبي، قال المعرّي: "يكفي المتنبي قصيدته "لك يا منازل..." عندها قال الخليفة: "جُروا هذا الأعمى خارجًا"، فسأله مَنْ في المجلس لماذا؟ فقال الخليفة: "لأنه قصد بقوله هذا بيت الشعر أعلاه "وإذا أئتك....". معتبراً كل واحد منا ناقص في طبعه وصفاته وكمال أخلاقه.

3) إذا المرءُ لم يَدْنَس من اللؤمِ عرِضُه
فكلُّ رداءٍ يرتديهِ جميلُ

هذا البيت الشعري يقال مثلاً لشخص معروف بكمال أخلاقه وحسن سيرته وبأن كل ما يفعله هذا الشخص مقبول لا بل جميل في أعين الناس.

4) إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وان أنت أكرمْتَ اللئيمَ تمردا

هذا مثل شائع يتردد كثيرًا على ألسنة الناس، ويقال لشخص تقوم بمدحه وتشجيعه من أجل الصلاح للغير ومن أجل الامتناع عن عمل القبيح، لكنه لا يفعل ذلك بل يتمادى ويتمرد بأفعاله أكثر وأكثر لأنه لئيم بطبعه.

5) فإذا لم يكُن من الموت بُدَّ
فمن العجز أن تموت جبانا

يقال لكل شخص يواجه مشاكل وصعوبات من أجل استرداد كرامته فعليه أن لا يتوقف عن ذلك حتى وان كلّفه غاليًا وعليه أن لا يجُبن ولا يتلكأ ولا يتراجع ويتمثّل بالقول: "لا بُدّ مما ليس منه بُدّ".

6) إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

أي أن عليك ان تتعود على مذاق المرّ كما هو الحال مع الحلو من الأمور، فإن لم تفعل ذلك فستكون كمن يحجم عن شرب الماء الذي يخالطه عَكَر غير مضرِّ فيبقى بذلك عطشانًا. فالناس عادة لا تخلو حياتهم من أمور متعكِّر صفْوها.

7) إذا كنتَ في كل الأمور معاتبًا
صديقك لن تلقى الذي لا تعاتبُه

هذا البيت يقال "مثلاً" لمن يُكثر من العتاب للأصدقاء ولمن حوله فمصيره أن يفقد جميع أصدقائه ولن يجد من حوله أناسًا كي يعاتبهم.

8) إذا رأيت نيوب الليث بارزةً
فلا تَظُنّنَ ان اللّيْثَ يبتسمُ

يضرب مثلاً للتنبيه والتحذير من تصديق واتباع المظاهر الخدّاعة والتي يكمن وراء مظهرها عكس ذلك، أي يجب عدم الانخداع للأمور البرّاقة التي تخفي في داخلها عكس ظاهرها.

9) إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشّفت
له عن عدوِّ في ثياب صديق

يقال هذا البيت الشعري كمثل يجب اتباعه في السلوك مع الغير، وهو ان يكون الشخص لبيبًا وحكيمًا ومتفحصًّا لأمور الدنيا، لأنه بهذا يكتشفُ أحيانًا في تعامله مع الناس انها صديقة له في ظاهرها لكنها عدو يضمر له الشر في داخلها.

10) إذا مرّ بي يوم ولم اكتسب يدًا
ولم استزد علمًا فما ذاك من عمري

يضرب هذا البيت الشعر مثلاً لتشجيع الناس على الاستمرار في عمل كل ما هو حسن وفي الاستزادة بالعلم والمعرفة والثقافة يومًا بعد يوم فإذا مرّ عليه يومٌ لم يتقدّم فيه ولم يكتسب خلقًا ولم يتعلم فهذا اليوم غير محسوبٍ له من عمره.