وإذا ما شخّصنا الواقع بصورة أكثر عمقا في هذه الفترة التي أدخلت عالمنا الى خندق متاهات الجائحة اللعينة، فان الأطر المدرسية تعاني من تدهور العلاقة المباشرة بينها وبين الطلاب ويشمل ذويهم، ولا يمكن تجاهل الخوف والقلق من انتشار الفيروس. ولكن الأهم ان نكون على قدر وافٍ من المسؤولية، التي تتمثل باتباع أنماط حياتية تتلاءم مع الوضع الراهن، حيث تستوجب منا كمجتمع وكأفراد ومؤسسات التواصل والتكاتف والتعاضد نحو رؤى شمولية تربوية، تساهم في إقامة سواعد العمل وتعويض جوانح المعرفة لدى ابنائنا. وفي هذا السياق، تقع المسؤولية على عاتقنا جميعا، فالحالة تبدو في تفتت وتشرذم وتيه وعدم بلورة استراتيجيات منهجية، تقودها جهات رسمية وغير رسمية في استعادة عجلة التحرك والتقدم نحو إضافة مدماك في بناء أسس المعرفة لديهم. وهنا يستوجبني القول ان ابناءنا لا يحتاجون الى المحتوى بقدر ما يحتاجون الى المهارات في اكتشافه. وكما قال الصينيون: "امنحه الصنارة وعلّمه الصيد، بدل ان تقدم له سمكة".

وفي استقراءٍ للمرحلة، لا بد ان ندرك ان الظروف الآنية في ظل الجائحة المقيدة، التي اعاقت عمل الأطر التربوية وحجّمت سبل وطرائق الوصول الى طالبي العلم، اوجبت إعادة التفكير في تعويض طلابنا في الفترات الزمنية القادمة نحو استثمار عطلة صيفية واستدلال دروب الارتحال الى عوالم وأسواق معرفية، وصولا الى الملَكات المنشودة في تسلق القمم. وان كان لا بدَّ من بدٍ فإننا ملزمون أمهات وآباء في قيادة زمام الأمور، لنستعيد ما فرّ وأدبر وحجر ربوع وشغف وتطلع وبريق طفولة أبنائنا. علينا ان نصمم بيئة داعمة تصبو الى صنع تواصل تشارك وتفاعل بيننا وبينهم، وأن نستثير قدراتهم وذكاءاتهم، وندعوهم لتجارب بحثية واستطلاعية لبيئتنا، وان نتذوق واياهم روائع لغتنا واصالتها، وان نبني معهم منصة مناقشة لمغازي أدبيّاتنا.. نحبو الى الطبيعة ونخاطب أداءاتهم في أن ندمج ونمزج انسجتها، لنكشف كنه اسرارها بتجارب تقودنا واياهم الى ثورة من التساؤلات. وكم من علماء استقو العلم في كنف أهلهم وصروح بيوتهم، فتحوّلوا الى نوابغ في تاريخ الإنسانية، فالعصفور يرعى صغيره الى أن ينطلق بجناحيه ليحلق في فضاءاته.

اننا شعوب نمت على تاريخٍ من أصالة المجد في الاخلاق والعلم والشعر والادب، واقامت صروحا في علوم الفيزياء والرياضيات والطب، ومنها نستمد قناديل الامل ونجعل بيوتنا بؤرا لكنوز تجسد مستقبلا مشرقا. فلا يمحو كبوة شعوبنا الا بيوت العز والكرم، ولا ينهض بكرامة الامة الا زواق غرست اوتادا تستنير مرافئ البصيرة.. معهم نسدل الاشرعة لبداية الغوص في بحور شخوص البحث والعلم والمعرفة، لتتقد الشعلات الرامية الى سمو عهد يستحدث تاريخا خاطب الإنسانية وخط احبار عصور ذهبية لعصورٍ مظلمة.