|
|
|
جمال عبد الناصر الغائب عنا والباقي فينا..! بقلم: تميم منصورالتاريخ : 2020-09-28 12:29:31 |مثلما وضعنا شهر تموز في خانة الأشهر المثيرة لأن الشهر المذكور مليء بالأحداث ومحطات التحول التي كان بمقدورها تغيير مسار عجلة التاريخ ، فاليوم من يفتح ويطالع صفحات الأحداث خلال شهر أيلول ، يجد أن أيامه حبلى بالأحداث التاريخية المهمة التي تركت بصمات لا يمكن تجاهلها فوق صفحات التاريخ ، بعض هذه الأيام والأحداث التي سوف أشير إليها مع تبعاتها محصورة في عمرها الزمني بين سنة 1931 واليوم . أيلول هو أحد أشهر الخريف المعروفة في بلادنا ، معروف بأيامه الجافة ، ورطوبة هوائه العالية ، واسراب طيوره المهاجرة واشجاره التي تبدأ بخلع ردائها تعود وتتجدد في الربيع ، الإنسان بكل قدراته عاجز عن التدخل بكل هذه الظاهر الطبيعية ، وإيقاف دورات حياتها المتواصلة ، لكن هناك أحداثاً دراماتيكية وقعت خلال هذا الشهر ، المسؤول الوحيد عنها هو الانسان بخيره وشره . من بين الأحداث ما وقع في الثاني عشر من أيلول سنة 1970 ، وقد عرفها الفلسطينيون باسم " ايلول الاسود " عندما قام الجيش الاردني بأمر من الملك حسين بطرد فصائل المقاومة الفلسطينية من الأردن بعد معارك طاحنة في العاصمة عمان ، وما حولها ومناطق الأغوار ، وفي الثالث عشر من أيلول سنة 1993 تم التوقيع على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل ، وبعد هذه الاتفاقية ، تغّير مسار الصراع الإسرائيلي ، وأصبح له منحى آخر ، أفقد منظمة التحرير والمقاومة الفلسطينية هيبتها وتوازنها ، حيث أصبحت خاضعة لمزاج عربي ودولي أطالت عمر الاحتلال ، وفي الخامس عشر من أيلول عام 1931 ، شهد إعدام الزعيم المجاهد والقائد الوطني عمر المختار ، الذي قاوم الوجود الإيطالي في ليبيا ، وفي السابع من أيلول سن1982 شهد جريمة بشعة قامت بها عصابات حزب الكتائب اللبنانية بمساعدة إسرائيل داخل مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان ، كانت نتيجة هذه المذابح سفك دماء المئات من الفلسطينيين ، وفي الحادي عشر من أيلول سنة 1996 ، وقعت هبة النفق في القدس ، والتي حاول الفلسطينيون من خلالها الدفاع عن عروبة القدس ووقف الاستيطان الصهيوني في مدينة القدس وما حولها ، وفي الثامن والعشرين من أيلول سنة 1970 كان يوماً مفصلياً ، حيث شهد رحيل الرئيس القائد الخالد جمال عبد الناصر . مع أن رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر يتمشى مع الآية الكريمة " كل نفس ذائقة الموت " إلا أن رحيله كان مبكراً بالنسبة إلى سنوات عمره التي عاشها ، وقد كان بمقدوره الاستمرار في العطاء أكثر ، لأن العرب جميعاً ، وفي مقدمتهم الشعب المصري كانوا ولا زالوا بحاجة إلى حكمته . لم يكن جمال عبد الناصر قائداً وزعيماً عابراً ، ولم يكن تقليدياً ، لقد أنبتته الأرض المصرية في الدلتا والصعيد والواحات ورمال سيناء ، وخرج من أعماق شريان الحياة في مصر النيل ، هذا النهر كان وسيبقى الشاهد الأسطوري على المعاناة والفقر والفساد والمرض والمحسوبية التي كان يعاني منها الشعب المصري قبل أن يعرف عبد الناصر . حدث هذا بينما كانت شعوب أوروبا، وبعض دول آسيا تنهض من تحت ركام الحرب العالمية الثانية ، في ذات الوقت كان الشعب المصري غارقاً في طمى الفساد والجهل بسبب نهب ثرواته من قبل الأسرة الملكية الدخيلة ، مدعومة من قبل قوى ظلامية ، وفي مقدمة هذه القوى الاحتلال البريطاني والشركات الاحتكارية ، وسلالات الإقطاع التي شوهت صورة الفلاح المصري وحالت دون تحرره من قيود العصور الوسطى . عندما رحل عبد الناصر كان الجميع على ثقة بأن رحيله لم ولن يترك فراغاً قيادياً وسياسياً ، لأن الرئيس الخالد ترك وراءه مدرسة متعددة المراحل والفصول ، فيها كل الأجوبة لطموح وتطلعات الأمة العربية الكاملة . عبد الناصر رحل بعد أرسى القواعد لثورة فكرية حديثة ملائمة للطابع الاجتماعي والنفسي ، وحتى الديني ، وضع القواعد الثابتة والصحيحة للوحدة العربية والعلاقات العربية العربية ، وساهم في تنظيم مجموعة الدول الإسلامية ، وساعد الشعوب العربية على التخلص من براثن التبعية والاستعمار ، وشجع الأنظمة العربية على تأميم شركات النفط الأجنبية لإعادة ثرواتها المسلوبة ، وأعاد الثقة إلى النفوس المهزومة بعد نكبة الشعب الفلسطيني ، وأقام في مصر التنظيمات الشبابية والطلابية والاتحادات المهنية المختلفة ، اضافة إلى شبكات من مؤسسات التعليم النظري والمهني المجاني ، وإضافة إلى الاندماج مع الدراسة والتعليم الاكاديمي ، ووضع قواعد التصنيع ، وربط بعجلة الدول المتطورة ، بعد أن كانت قوة استهلاكية للاستيراد في كافة المجالات ، ولم ينس عبد الناصر الفلاح المصري ، فقد حصل هذا الفلاح على حصة الأسد من إنجازات الثورة بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي وإقامة المشاريع الزراعية العملاقة ، في مقدمتها مشروع العصر ، السد العالي ناهيك عن إقامة مؤسسات الحكم الثابتة الشعبية المتطورة ، هذا بعض من كل ، فمن الصعب حصر محيط في كأس ماء . لكن ورثة عبد الناصر أداروا للشعب المصري وللعرب جميعاً ظهر المجن ، وأبعدوا قطار الثورة عن مساره الطبيعي والصحيح ، العبارة التي نطقها أنور السادات بعد أن خلف عبد الناصر كانت " جئتكم على طريق عبد الناصر " لكنه فعل العكس ، فقد أبعد محور الثورة عن الشعب المصري ، وقام بتحطيم إنجازاتها كما أدخلها في متاهات " كامب ديفيد " وأنفاقها المظلمة ، شوهت صورة الثورة وصورة مصر . بعد السادات أكمل حسني مبارك طريق سلفه ، وقامر بعزة مصر وكرامتها وعروبتها ، وذهب بها بعيداً ، بعد أن ربط قدراتها بمشاريع الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وعروش الأنظمة العربية البعيدة عن روح العصر ، بهذا فقدت مصر هويتها العربية القومية المستقلة التي وضع أسسها الشعب المصري ، من خلال إنجازات الثورة بقيادة جمال عبد الناصر . في ذكرى رحيل عبد الناصر ، لا بد من ملء أفواه كل الذين تطاولوا عليه ، خصوصاً في عصر السادات ومبارك بمياه الحقيقة ، نذكرهم ماذا قالوا بأنفسهم عن عبد الناصر بعد رحيله : المهندس سيد مرعي خاطبه قائلاً : ( كان حس عبد الناصر المرهف ، يتماثل مع حس الفلاحين ، كنت يا جمال تشعر بمشاعرهم وآلامهم أكثر منا جميعاً ، فتسارع أنت يا جمال بالتوصية عليهم ، وتضع الحلول الحاسمة لمشاكلهم ) . عبد العزيز حجازي والذي أصبح في عهد السادات رئيساً للوزراء قال : ( أما أنا فعبد الله آمنت بقضائه وقدره ، عشت معك يا جمال أًعد اللحظات ، فوجدتك مؤمناً صادقاً أميناً مخلصاً ، تريد لشعبك الحياة ، وتتطلع إلى النصر والسلام ، كنت يا جمال مثالاً للتضحية والفداء ، وكنا معك من الأوفياء المخلصين لأنك صاحب رسالة . يوسف إدريس خاطبه قائلاً : يا أبا الذين في الأرض .. يا صدرنا الكبير الذي كنا في ظله نكتب وننتقد وننتج ونصرخ ونتذلل ونحارب ونثور ، يا أكبر من حلمت به مصر وأحبه العرب . لويس عوض خاطبه قائلاً : سقط عماد الصرح الكبير ، بكاء من بكاء الثكالى ، وعويل من عويل اليتامى ، إن الذي توقف هو قلب مصر ، قلب مصر بلا زيادة ولا نقصان ، يا أبن مصر الذي أسرى ليعود نحن الفقراء نقول : مات جمال وعاشت مصر ، لأنه عائد في الصباح ، تذكروا دائماً أنه عائد في الصباح ليخلع عنا الأسمال ويلبسنا الحلل السندسية . هذا غيض من فيض أيها التائهون في صحاري الضياع والنسيان والعبثية ، هل تتذكرون عبد الناصر ؟ اقرؤوا تاريخه ، لا تكونوا مرعوبين من وحي ذكراه ، في الثامن والعشرين من ايلول تطل ذكرى الرحيل لرجل ليس كبقية الرجال رحل عنا وباقِ فينا .
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |