مع الأسف نحن لسنا بحاجة لبرامج لتمتحن الضمير. وقد فات الاوان على السؤال: ماذا تفعل لو كنت..؟ فقد كنا وما زلنا نرسب في الامتحان.

حتى الآن لا افهم كيف يمكننا ان نثور ونعاتب بشكل افتراضي.. كانت هناك العشرات من النساء والرجال..

لقد خطر في بالكم تصوير اللحظات، ولكن لم يخطر في بالك ان تهرول مسرعًا لتكون انسانًا على ارض الواقع ليس من وراء الشاشة.

لا يجوز لكم رمي الكلمات هنا وهناك.. أين الفعل الواجب؟

ما يستثني هذه الحادثة ويندرها عن غيرها أنها وقعت، لأول مرةٍ، في وضح النهار، أمام ناظريكم. اي انه كان لديكم الوقت والفرصة للتدخل وربما الانقاذ.. لِمَ لا؟ هل خفت؟ ولكن لِمَ لم تخف حين مسكت هاتفك لتوثيق دماء تسرف أمامك؟

هذه حقيقة! نحن ننتظر مصيبة لنتحدث ونخمن ونتسلى بها.. نحن جميعنا كالطالب الجامعي الذي حُرم من مهنة المحقق البوليسي، لذا يصب حرمانه وموهبته في كل شاردة وواردة.

صمت وحياد كل من تواجد هناك هو جريمة اكبر في رأيي انا. ومن صّور وحاول التوثيق، ليكون المراسل الاول واذاعة لندن الاولى كالبطل، هو المجرم الابشع والاوحش في نظري.

اكاد اجزم انه لولا المفاهيم، التي نرسخها في انفسنا، لما حصل ما حصل ..ومن هذه المفاهيم مثلًا:

- انا مالي؟ ولاد عم ببعض!

- انا مالي؟ زلمة وبنته وبربيها!

- انا مالي؟ زلمة ومرته وابصر شو عاملة.. احنا مالنا نتدخل!

- انا مالي؟ يمكن يقتلني بدالها!

نعم.. جميع من تواجد ولم يتصرف راودته هذه الافكار، ومنعته من التصرف بإنسانية.

اذا اجتمع الغضب والكبرياء في الانسان معًا يتحول الى أشرس كائن حي تحركه المشاعر وليس العقل. ولكن هل جميعكم كان عقلكم عاطلًا عن العمل؟

لذا لا تعتقد انك بريء ايضًا، انت يا من تواجدت ليصمت المجرم الاكبر.. انت اعنف واشرس.. حتى انك ضعيف خال من مشاعر الانسانية، وربما مريض نفسي، لتفتح هاتفك وتوثق الدماء والقتل، ثم تكمل طريقك وتعود الى البيت لتروي وتكتب على الفيسبوك ووسائل التواصل، وتلقي النظريات.

يكفي الآن، انا ألقي العتب والحق وجزءًا من التهمة على عاتقنا نحن، لاننا شركاء في قتل كل انثى حتى الآن. لذا لا تنشروا ولا تكتبوا، ولا تمنحوا انفسكم صلاحية ليست لكم. صلاحيتكم هي الإنسانية فقط. وعندما تتجردون منها لا تمثلوا وتخدعوا.

اخيرًا اختلفت الاسماء والوجوه والبيئة، ولكن المجرم واحد والضحية واحدة "فطمة" (ضحية جريمة القتل التي ارتكبها زوجها في قصة الكاتب السوري زكريا تامر "موت الشَعر الاسود").

القضية واحدة.. لا تشعروا بالأسف على اهل الضحايا، ولا بالعتب او العار على أهل المجرم.. اشعروا بذلك اتجاه انفسكم.

في هذه البلد، او ذاك، كلنا الأهل وتقع المسؤولية على عاتقنا في تربية الجميع. وإن لم تشعروا بذلك، فسنبقى كما نحن. و"فطمة" سيموت شعرها الأسود، ولكنها ستبقى تركض لتطرق الأبواب مستنجدةً، فلا يفتح باب من الابواب وتتلطخ السكين بالدم..!!