|
|
|
يوم استقلالهم يوم نكبتنا.. بقلم: شوقية عروق منصورالتاريخ : 2022-05-11 22:35:22 |هل الذاكرة تتقاعد، تصاب بترهل الزمن؟! كان هذا هو السؤال الذي يتفجر ينبوعاً كلما اقترب يوم الاستقلال - يوم النكبة - حيث في هذا اليوم لا تنهال فقط الصور البائسة للفلسطينيين الذين رحلوا وهم في حالات الذعر والخوف ، هجروا وطردوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم تاركين كل شيء ، فقط النجاة بأرواحهم ، وكلما شاهدنا صور الخيام والعيون التي تجمدت على جهات الانتظار ، تنتظر مجيء الجيوش العربية التي ستعيدها الى الوطن ، نشعر أن هناك صفقة خداع قد تمت بين وجودنا وبين التاريخ . في هذا اليوم - يوم الاستقلال - اعلن أن ذاكرتي ترفض التقاعد ، أحاول ادخال ذاكرتي الى مؤسسة الصمت والتجاهل ، لكن ترفض وتعلن العصيان وتقوم بالتحدي ، حيث تفتح خلايا الذاكرة وتبدأ بقذف الصور المرتبة فوق بعضها البعض ، يا للعجب الصور ما زالت جديدة ، لم يأكلها العث والاصفرار والتمزق ، ها هي الصور تخرج .. تهديني عمراً عشته سابقاً !! اكتشفت ان كلام أبي عن قرية " المجيدل " المهجرة التي اطلق عليها بعد ذلك - مجدال هعيمق - حيث هرب سكان البلدة ليلاً عندما دخلت القوات اليهودية ، وعن عمي " جمال " الذي استشهد عندما رجع متسللاً الى حاكورة البيت كي يقطف بعض حبات البندورة والتي كانت قد نضجت ، لكن الرصاص كان في انتظاره ، فهو لم يتوقع أن يتحول بيته الدافىء الى لقاء مع الموت الغادر ، اكتشفت أن كلام أبي لم يكن حكاية عابرة ، كان جمرات تحت الرماد . في الصف الرابع المعلمة تكتب عناوين الطلاب في دفتر يوميات ، تسألني ما هو عنوانكم قلت لها قرية " المجيدل " لا أعرف لماذا قامت المعلمة ونادت مديرة المدرسة التي أخذت تصرخ ، أذكر أني بكيت وصمت خوفاً من شكل المديرة الثائر الغاضب . ومن يومها وضعت عنوان " المجيدل " في الذاكرة وأغلقت عليه بالمفتاح وأصبحت أحمل العنوان الجديد " الناصرة " . فوق اللوح الأسود الذي يتوسط جدار الصف ، تخرج من المربعات الخشبية وجوهاً ، علينا أن نتصبح بها ، نجلس وأمامنا الوجوه المقطبة تنظر الينا بحدة ، كأنها تراقبنا طوال الوقت ، المعلمة تؤكد أن هؤلاء من قاموا ببناء الدولة ( بن غوريون ، غولدا مائير ، موشي ديان ) كنت أتعجب من هذا الرجل - موشي ديان - الذي يضع على عينه جلدة سوداء ، وكان السؤال يحيرني كيف ينام ويغسل وجهه ويستحم والجلدة فوق عينه ؟ ولماذا هو بالذات هكذا ؟ وعندما سألت أمي عنه اجابتني ( يقطعوا ويقطع عينه ) ما دامت أمي تكرهه ؟ لماذا توضع اذن صورته في الصف ؟ وليس فقط في صفنا توضع الصور ، بل في جميع الصفوف ، أما في غرفة المديرة فالصور أكبر والملامح أوضح ، وصورة موشي ديان تتميز بابتسامة ساخرة تشق شفتيه ، كأنه يستهزء بالمديرة هكذا تخيلت الابتسامة ، كلما كنت أدخل غرفة المديرة . لا أعرف من توسط لجدتي كي تذهب الى الاذاعة الاسرائيلية وتشترك في برنامج ( سلاماً وتحية ) ، وقفت جدتي وقبل أن تفتح فمها ، غصت بالبكاء ، أعادوا التسجيل عدة مرات حتى صرخ المسؤول وقال لها مهدداً ( هاي آخر مرة ) مسحت دموعها ..قالت : أهدي سلامي لأبني سعيد في لبنان ، كيفك يما انشا لله منيح ؟؟ ها يما اوعى تتزوج لبنانية ، تزوج بس فلسطينية ..!! قام المسؤول بقطع التسجيل .. وقال لها هذا مش وقته ، ولم يقم بإذاعة التسجيل. قبل يوم الاستقلال ، تخرج خلية النحل وتتوزع في المدرسة ، نرى البواب المسكين ( أبو جابي ) وهو يحمل السلم ويتنقل به من زاوية الى زاوية حيث يثبت شريط الأعلام ويضيف الى الجدران الشعارات والملصقات التي تؤكد بهجة المدرسة بعيد الاستقلال ، وتنطلق أغنية ( في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي ) من الجوقة التي تتمرن في البهو الواسع ، حيث تصل الينا في الصفوف ، ومما يدفعنا للغيظ أن طلاب وطالبات الجوقة لا يشاركون في الدروس ، فهؤلاء يخرجون من الدروس متى شاء معلم الموسيقى . في يوم الاستقلال ، تكون الساحة نظيفة ، والكراسي الخشبية مرتبة ، والمنصة قد تزينت بصور رئيس الدولة ورئيس الحكومة ، وفوقهما العلم يرفرف مدقوقاً على خشبة تهتز كلما اهتز العلم ، أما نحن الطلاب والطالبات علينا البقاء وقوفاً ، فالكراسي للضيوف فقط . عندما كبرت عرفت أن جميعهم على المنصة كان لهم الثغر الواحد واللسان الواحد ، وكانت اسرائيل الفتية هي الصبية التي تغزلوا في مفاتنها ، والمفتش الذي تعجبت من وجهه الأحمر من شدة ضغطه على مخارج الحروف ، والذي طلب منا انشاد ( في عيد استقلال بلادي غرد الطير الشادي ) رأيت صورته بعد سنوات وهو يعانق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما زاره في المقاطعة ، مقر اقامته في رام الله . كانت مديرة المدرسة بعد العرض الرياضي والكشفي وانتهاء الكلمات والقصائد العصماء التي تبدأ بشرح واف عن الدولة من مصانع وحقوق ومزارع وعمال وتنتهي بترحيب دول العالم بها ، تتجه المديرة الى ميدان المبارزة ، حيث يتبارز الطلاب والمعلمات والمعلمين من أفضل الصفوف في التزيين ، من قدم الأفضل في الابداع ، وجسد فرح يوم الاستقلال ، والصف الفائز تكون جائزته لا شيء سوى وضع أسم الصف على لوحة الاعلانات وتقديم التهاني لمربية او مربي الصف على تفانيه وتفكيره في دمج الابداع مع الاستقلال ، ثم تقوم المديرة بتوزيع حبات " البوظة الثلج " لكل طالب وينتهي الاحتفال . صور كثيرة تتدفق من الذاكرة كانت تحلم ، لكن ما أسوأ من يوم استقلال يحل ، والانتظار ما زال في حالة انتظار ، تلوكنا السنوات و تبصقنا على رحيل يخرج من رحم رحيل . تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |