فاتنة لطفي اسعد قرمطة/ ابي ايها الابيّ..!

التاريخ : 2013-02-27 18:15:47 |

لا ادري لماذا لا نكتب عنهم وهم احياء لكي يقرأوا ما تخطّه اناملنا وما تجود به مشاعرنا نحوهم, ولكن تلك هي طبيعة الحياة اللاهثة التي نعيشها.
تردّدت كثيرا ان اخاطبك بلغة الغائب، فأنت ساكن في قلبي وتربض في مخيلتي وتجول في عينيّ مهما حاولت ان انسى او اتناسى فقدانك.
قد يقول البعض مالنا ولمشاعر ابنة فقدت والدها، ولكنني اخاطب بهذه الكلمات والعبارات كل اب كأبي، وهم كثر وقد فارقوا ابناءهم وتركوهم يتخبطون في احزان وآلام متجددة مهما طال الزمان.
ابي.. ايها الاب الذي عمل كل ما في وسعه لكي يوفّر لنا كل ما نتمناه دون كلل او ملل. عملت في كل الاعمال دون ان تسمعنا كلمة تثقل علينا. احببت عملك وأتقنته وتعاملت مع الامور بكل امانة واستقامة. وكنت "تقول الحق ولو على قطع رأسك". لا تحب الطرق الملتوية في الوصول الى اهدافك. احببت العلم والتقدم، ورغم سنوات تعليمك القليلة الا انك كنت انسانا مثقفا تحب القراءة والمطالعة، وتطمح دوما في ان تحسن جودة حياتك. احببت الكتب والصحف والمجلات، ولم تبخل يوما في اقتنائها وجلبها للبيت لكي تقرأها.
احببت الناس فاحبّوك. نعم، ان كلامك قليل ولكنك حينما كنت تتكلم كنت لنا خير ناصح وخير مرشد. واقولها لك بأنني احيانا كنت افهمك دون كلام. منك تعلمنا الاباء وتحمل مشاق الحياة والاقبال عليها، ومهما كانت الصعوبات دائما كنت تقول: "لا بدّ ان يأتي الفرج" و"لا يصح الا الصحيح.. !
ابي.. احببت الارض فأحبتك, اشعر بأن "العيون" كلها تفتقدك, تبحث عن ذلك الرجل الذي يحرص على ان يتفقد معالم المنطقة كل صباح. يقف هناك يمتّع انظاره بجمال الطبيعة الخلّاب. فنافذتك المزدانة بنبات عصا الراعي المزهر تبحث عنك تريدك ان تحرك الستارة وتقف متأملا كعادتك. ولكن هيهات فتلك ايام ذهبت ولن تعود. ومقعدك، ذو الفرش الاخضر هناك في فناء بيتك الجميل، اشتاق الى رائحتك, الى دخان سجائرك والى سماع صوتك الشجي. ارى بأن الاصص التي تزين حديقة منزلك لم تعد بذلك الجمال المعهود, واشعر بأنها تبكيك.
لقد تذكرت كلمات امي حينما قالت لي بأن البيت اصبح على فراقك باردا مظلما هادئا. ورغم محاولتي اقناعها بأن الامر ليس كذلك، الا ان شعورنا جميعا- ابناءك وبناتك واحفادك, اهلك وجيرانك ومعارفك - يفتقدون ذلك الوجه الذي تكسوه سمرة عربية اصيلة. وتلكما اليدان السمراوان اللتان كدحتا في سبيل العيش الكريم اشتقت الى تقبيلهما, وعزة النفس التي تحليت بها اعشقها, وحنكتك في اتخاذ القرارات تأسرني.. اشتقت الى قلمك والى نظّارتك, ولكن هذا هو الموت يغيب عنا من نحب ونحن نؤمن بانّا لله وانّا اليه راجعون.
ذهبت، يا ابا عمر، وتركت وراءك سيرة حسنة, فبكاك الصغير قبل الكبير، وبكاك الرجال قبل النساء. وعندما يبكي الرجال فالمصاب جلل.. يذكرك الجميع بالخير. عشت ابيا فجابهت مرضك بكل شجاعة وبسالة. وكانت عبارة "الحمد لله" على لسانك، وحتى آخر لحظة حمدت الله حتى وانت تعاني آلاما تخفيها عن من احبوك لكي لا تؤذيهم .
رحلت عنا جسدا، يا ابتاه، ولكن روحك فينا، وسنبقى على عهدك مهما حيينا.. رحمك الله ابي واسكنك فسيح جناته!

بقلب يعصره الحزن على فراقك,
ابنتك: فاتنة لطفي اسعد قرمطة