لم تزل ذاكرتي تنقلني الى ايام الصبا ،يوم طرق جارنا العزيز بابنا، يسال عن احوالنا ،ويوم ذهبت طفلا وقد بعثتني امي الى جارتها الكريمة طارقا بابها يملئ قلبي الفرح، كي اناولها طبق من طعام ساخن، اعدته والدتي الغالية، قبل ان نتناوله نحن ابناء بيتها، من باب المودة والتكافل, والتأخي.

ولم تزل صور الاخاء في هذه البقعة الطاهرة ،من الدنيا تملئ الاذهان، وتثلج الصدور ،لا تحجبها صور الغدر ،ومناظر التشاحن، في زمن الغدر المقيت هذا، تطفو على السطح من جديد ،في كل لحظة، ذكرياتي تلك، لتذكرني بان لنا رصيد وافر، من الخير ،والتراحم، هناك مطوي ، في ذاكرة الزمان، يضاف الى رصيدنا الوافر اصلا، في سالف الزمان، وغابر المكان.

لي ذكريات تحت اشجار اللوز، المزهر لتوه، طفلا ،وصبي ، هنا ،او هناك في حقولنا العامرة، برفقة جدي ، متسلحا بمنجله، بمواسم الحصاد، او بمعوله وبرفشه ،يقلب ثرى ارضه بكل عشق، ومهنية، ،لتروي قطرات عرق جبينه الطاهرة، جذور غرزة زيتون ،غرزت لتوها، كي ناكل نحن منها ،كي يأكل العابرون منها ،بعد سنين طوال، عل الذاكرة تسعفنا ،كقوله، أي جدي، بان نتلو لروحه الطاهرة، يوما من الايام سورة الفاتحة.

ولم تزل ذاكرتي العامرة بالذكرى، تنقلني ،الى اجواء بيوتنا العامرة، صيفا او شتاء، خريفا ،او وقت الربيع، او وقت السحر، حين اوى الناس الى الناس يتلون الخبر، ويتداولن الاحاديث الشيقة لا ينغص جو الفتهم ،كدر، في الوقت الذي بت اراهم متباعدين، متباغضين، بل بت اخال الشر المتطاير من عيونهم الذابلة، كانه من جهنم يرمى، شرر كالقصر.

لا زالت ذاكرتي تسعفني بصدق، الحديث يتلوه الناس ،على مسامع الناس، بل يصدقون الخبر، في الوقت الذي باتت احاديثنا شبه تافهة، تخلو من المضامين الجوهرية، بل في الوقت الذي باتت تطغى على طابع احاديثنا، بعضنا ،لبعضنا، نبرة الوعيد والتهديد، بل والكذب في اغلب الاحايين، لو اردنا الذهاب ابعد من ذألك حديثا.

ما بين ذكرى يوم الارض ،ويوم الارض، ذكريات، وذكريات، ،بل ما بين ذكراكم لا رضكم في يوم ارضكم الخالد "كقولكم "مزالق كثيرة ،وفجوات شاسعة، في الوقت الذي تقطعت اواصر محبتنا لبعضنا، بل في الوقت الذي اجتثت اغلب قيمنا الغالية، والتي كانت مصدر فخرنا قرونا من الزمان،

نام على الخير اجدادي، واستفاقوا على امل ، فطوعوا حبهم لا رضهم عمل ، وغرزوها عشقا ومودة ، فأينعت حقولهم، ونمت فسائل خيرهم خيرات ،لأجيال ،وازمنة طويلة ، في حين افلت شمس مودتنا، لتذوي حقول خيرنا ، لتضحي مرتعا وخما للتخاصم ،والتشاحن الابدي.

انها ذكرياتكم لكم، وهذه ذكرياتي، الكثيرة لي ، تبكي عصر جدي الذهبي ،اه يا عصر جدي الذهبي...!!!!!!!!!