صبري محمد جبارين/ الصامتون الصامتون..!
التاريخ : 2012-01-23 10:08:17 |
أيها الأنام لا يأخذنّكم أحد بالكلام المنسوخ والمعسول, ولا تظنوا أن من أبدع في تجميل الكلام وامتاز بتزيين الجمل والأحرف أنه يملك من العلم والثقافة بحارا ومحيطات. إياكم والتغرر بأولئك المتلثمين بوشاح التفاخر والتعجرف بادعائهم المعرفة وهم لا يعرفون عرفا من أعراف المعرفة!!
لقد أيقنت أيها الأعزاء أن من لا يملك كثير العلم والثقافة والمعرفة نجده يخوض في كثير النقاشات والحديث لكي يظهر لنا أنه العارف العالم, ولكي يثبت لنفسه أنه رغم جهله الأعمى إلا أنه يتحدى ويناقش ويكثر الثرثرة. بينما تجد الشخص العالم المثقف يكثر الصمت لمعزة النفس التي يتحلى بها أغلب المتعلمون حقا, ولأنه يعرف حق المعرفة أنه, وإن حاول إقناع الجاهلين آنفي الذكر فإنهم لن يقتنعوا بل سيستمرون بتعجرفهم وتكبرهم عليه, ومحاولة تكثير وتزويد الكلام ظنا منهم أنهم بذلك ينتصرون.
أيها الأعزاء إن الإنتصار ليس بكثرة وإطالة الكلام والتحدث, بل بكثرة الأفعال على أرض الواقع والتي تأتي في نهاية المطاف بالتغيير, وهذا معنى الانتصار, فالإنتصار التغيير!!
الفارغون كثيرو الضجة, والمليئون كثيرو الصمت. الفارغون عديمو النجاح, والمليئون عديمو الفشل. الجاهلون محققو الهزائم, والمتعلمون محققو الانتصارات. الجاهلون نادرو الصعود, والمتعلمون نادرو السقوط. فعلينا أن نكون متعلمين, مليئين علما وثقافة ومعرفة, وأن لا نكون جاهلين فارغين لا نملك إلا الثرثرة والكلام الفارغ.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحبكم إليّ وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني في الآخرة الثرثارون المتفيهقون المتشدقون. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين, فما المتفيهقون؟ قال : المتكبرون". وقال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "من يتكلم دون تواضع سيجد صعوبة في جعل كلماته مسموعة".
إذا مخطئ من يظن أن الساكت جاهل, فليس بالضرورة أن يكون معنى الصمت جهلا، فللصمت معان قد نوقنها وقد لا نستطيع ولا نريد إيقانها. والصمت قد يعني العلم, وقد يعني عزة النفس, وقد يعني العجز, وقد يعني عدم وجود المبرر, وقد يعني شلل الكلام, وقد يعني كثرة التفكير وغير ذلك من معاني الصمت. يقول الشاعر نزار قباني في الصمت:
***الصمت في حرم الجمال جمالُ
إن الحروف تموت حين تقالُ***
وقد جاد العرب وغير العرب في الحديث عن الصمت في هذا السياق, قال صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقال الشافعي:
***قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاح***
***والصمت عن جاهل أو أحمق شرف
وفيه أيضا لصون العرض إصلاح****
***أما ترى الأسود تُخشى وهي صامتة
والكلب يخسى لعمري وهو نباح***
وقال أرسطو: - الكلام تفكير بالفعل والتفكر كلام بالقوة.
و قال لقمان لولده:" يا بنيّ إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك". وقال وليم هنريت: "الصمت فن عظيم من فنون الكلام". وقال أبو العلاء المعري: "إذا قلت المحال رفعت صوتي وإذا قلت اليقين أطلت همسي". وقال جبران خليل جبران: "منبر الإنسانية قلبها الصامت, لأعقلها الثرثار". وقال الفيلسوف جان جاك روسو: "الناس الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً، أما الذين يعرفون الكثير فلا يتحدثون إلا قليلاً". وقال سقراط: "خلق الله لنا أذنين ولساناً واحداً, لنسمع أكثر مما نقول"!
لذا لا تأخذكم المظاهر وظواهر الأمور, "فما خفي عنك أعظم", وما تخفي الصدور غير ما تعلن الألسن...!!!
نحن لا ننادي للصمت بل للانتباه للصامتين أكثر منه للثرثارين. ونحن لا نقول أن كل متكلم جاهل وفارغ, بل قد يكون كل جاهل وفارغ هو ثرثار. ونحن لا نقول أن كل صامت متعلم ومثقف, بل قد يكون كل مثقف ومتعلم صامت.
لن أطيل عليكم كلامي فكما قال فكتور هوجو: "لا تكثر الإيضاح تفسد روعة الفن". وخلاصة قولي: إن من يأخذوننا بالكلام يجب أن نأخذهم بالعلم..!!