www.almasar.co.il
 
 

د. جمال زحالقة: غالانت في واشنطن لضمان مواصلة الحرب!

غطت أخبار قرار مجلس الأمن والامتناع الأمريكي، على زيارة وزير الأمن...

ترقية د. إبراهيم مرعي لدرجة بروفيسور في كلية الطب التابعة لجامعة بار ايلان

تم هذا الأسبوع الإعلان عن ترقية د. إبراهيم مرعي مدير وحدة كهرباء القلب...

د. جمال زحالقة: التجويع!

تواصل الدولة الصهيونية محاولات فرض التجويع، وحجب المساعدات...

لينا ابو مخ/ الزواج المبكر بين القانون والمجتمع

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي...

منحة 23 ألف شيقل عند بلوغ سن 21 هدية من الدولة

علم مراسل موقع وصحيفة "المسار" انه بتداء من شهر كانون الثاني 2017 ستقوم...

عطر 2020 من Montblanc للرجال

تقدم دار العطور الفرنسية Montblanc عطر Legend Eau de Parfum، وهو إصدار أقوى وأكثر...
  هل تعتقد ان الحكومة الجديدة ستساعد في الحد من جرائم العنف في المجتمع العربي؟

نعم

لا

لا رأي لي

ام الفحم 22-32
الناصرة 31-20
بئر السبع 33-21
رامالله 32-22
عكا 29-23
يافا تل ابيب 29-24
القدس 32-18
حيفا 31-23

د. أحمد محمود إغباريّة: لا تنسانا "أبو العبد"

التاريخ : 2017-09-23 14:59:18 |



(إلى روح الكاتب والصّديق نوّاف عبد حسن في ذكراه الرابعة عشرة)


في طلاقته وذرابته، في أصالته وعمقه، كان المتحدّث الألبق، يجيد المفاكهة ويعلّمها، ويبزّ حملة الألقاب ويجندلهم. هذا الذي لم يستكمل دراسته الإعداديّة يبرهن أنّ الثقافة موقف شخصيّ بحت، وليست بأيّ حال من الأحوال شأنًا أكاديميًّا كما قد يخال البعض.
لا أنساك "أبو العبد"، ألف قصّة نسجتُ في مخيّلتي. أكملت حوارات وطرائف ظلّت ناقصة، رسمتُ مواقف كانت ورسمت أخرى لم تكن. فما أجملك الآن في الغياب، تجلس عند بحيرة السّجع خاصّتك، وترنو من بعيد فتغمز الخيال وتؤجّجه، وتصفع كسلي الثقافي وتؤنّبني..
لا أنساك صاحبَ المُلح اللاذعة. في أشهرك الأخيرة استنكفت عن كثير من هواياتك المفضّلة، بدوت منهكًا، تتحرّك كثيرًا وتنام قليلاً، تدخّن ولا تتحدّث، تأتي في كلّ الأوقات كأنّما تودّ أن تستنفذ شيئًا على عجل. كنتَ كمن يتوقّع طارئًا ما فآثرت الغياب الحاذق على مواجهة محسومة نهزم فيها الآن ونذلّ في كلّ لحظة والتفاتة.
"أبو العبد" كان آخر الموسوعيين، أو قل هو دائرة معارف متنقّلة، وبلغة العولمة هو شبكة إنترنت. ولو أضفت إلى حافظته الفائقة قلقه الوجودي والفطري لوجدت شخصًا لا يركن إلى يقين فيطمئنّ إليه، ولا يقنع بفكرة إلّا إذا تخطّاها، ولا بفلسفة إلّا إذا تحدّاها، لا يطربه من الكلام إلّا غير المأنوس، كثير التوثّب على بساتين المعرفة، لا سيّما المحرّمة منها، ذوّاقة في انتقاء التفّاح والعنب. ما كان يشبه أحدًا لأنّه كان هو نفسه ولم يكن سواه.
فقيرًا نشأ، تطلّع إلى ثقافة خاصّة بالأيتام وتلبّي تطلّعات المنسيّين العازفين عن الأضواء. ادّخر كلّ البؤس الذي تجرّعه في صباه وذوّته في كينونته وجعله وقودًا ثقافيًّا. أحبّ الحياة بالعاطفة ونبذها بالعقل، فاغترب عن أهله وعن نفسه، وساح في شعاب الكتب والأسفار، وكان له ما أراد: مشروع ثقافة بامتياز، لو قيّض له أن يعمّم لتحوّل إلى حالة حضاريّة جادّة على هامش ثقافتنا المسوخيّة والمعطوبة.

عرّفني به صديق ثالث، الكاتب والصّحفي أحمد أبو حسين، غاب لاحقًا هو الآخر. كنّا- ثلاثتنا- نلتقي في مقهى "الهرم" في ساعات المغرب. في معيّتهما كنت أشعر أنني إزاء بحر معرفي هائج تعلوه سحابة من دخان سجائرهما المتصاعد، أحمد فطن يعرف كيف يوجّه الرّيح لكي يصل إلى برّ ما، "أبو العبد" غوّاص ماهر يعرف كيف يلتقط اللؤلؤ من الأعماق، أمّا أنا فبالكاد كنت أتعلّم السّباحة.
ثمّ جاءت فترة كنت ألتقيه والكاتب الكبير أحمد حسين- والذي فارقنا هو الآخر قبل بضعة أسابيع. وكثيرًا ما كنّا نتردّد ثلاثتنا على "البيت الفلسطيني" في النّاصرة. والحقيقة أنني كنت أحسد نفسي على علاقتي مع هذين الكبيرين، إلى درجة أنني كنت أحسّ، وأنا بينهما، كالسّائح الواقف بين هرمين، تارة ينظر إلى اليمين وتارة إلى اليسار دون أن يخفي انبهاره. كان "أبو شادي" يقول لي: نوّاف راويتي، وهو أعرف بشعري منّي. في المقابل، كان "أبو العبد" يجلّ صديق عمره، ويكاد لا يعثر على نظير له في أدبنا العربي.
في كثير من المواقف الحياتيّة، كنت أعتبر نفسي في عهدة "أبو العبد"، لم يبخل عليَّ بتجاربه، كان يعلّمني وينبّهني، ويشرح لي طبائع الناس ويفهّمني علل النّفوس وطبّ القلوب. زرع فيَّ الحنين إلى زمن جميل لم أعشه، حبّب إليّ "الآداب"، قرّأني الطّرفة والنّادرة، علّمني قراءة الرّواية، كلّفني عبء الكتابة عنه، وحمّلني رسالة شفويّة غامضة لا زلت أحكيها..
كان جلساؤه الأكاديميّون يحرجون في حضرته، لأنّهم على دراية بمحدوديّتهم. كان الواحد منهم، مهما علا كعبه بلقب أو تشدّق برتبة، لا يجرؤ على منازلته في فنون المعرفة، وهو بدوره لم يكن ليوفّر ذوي الشّهادات العليا، كان شرسًا مع أعدائه وديعًا مع أصفيائه.
أيقن منذ حداثته أنّ الكتابة في السّياق المحلي تنطوي على تسويات قد تطال كرامة الكاتب، فعاش الأدب على طريقته وألّف ما لم يدوّنه، ودوّن ما لم ينشره، ولم ينزلق قطّ في حيثيّات النّشر أو في سراديب التعرّي كما حدث للكثير من مجايليه.
كان "أبو العبد" مأسورًا بالتّعابير المرهفة، يستأنس بكلّ ما هو غرائبي، يبحث في صدف الكلام عن استعارة بكر أو عن لفظة مشحونة. ولكلامه دائمًا غايتان: إيصال المعنى وإطراب المستمع. ولو سعى للكتابة لكفاه أن يدوّن ما تولّده قراءاته المختلفة من استجابات في عقله المتّقد، ناهيك عمّا تنضح به قريحته من إبداعات شعريّة ونثريّة كلّما أفرج عن مشاعره وأصغى إلى هواجسه. هيهات أن يستعصي عليه نصّ مهما استغلق، أو أن يتوه عن فكرة مهما توارت.
في تجاربه النقديّة، المكتوبة والمنطوقة، لم يكن ليساوم، الثّوب الذي يغزله كان وفق المقاييس، لا بهرج ولا تزلّف، ولعلّ صدقه هذا هو الذي ألّب الكثيرين عليه.
و"أبو العبد" كان حِرَفيًّا كادحًا، لم يأنف مرّة من مزاولة العمل الشّاقّ، لكنّ الأدب كان قلبه وعقله، دأبه وديدنه، لا يتحدّث إلّا من خلاله ولا يحلم إلّا على وسادته وبإيحائه.
في المرّة الأخيرة التي شاهدتُ له نصًّا محررًّا بخطّ يده (وكانت تلك المقدّمة الرّائعة التي تصدّرت كتاب "رسالة في الرّفض" لأحمد حسين) سألته: كيف تكتب دونما اعوجاج على صفحة بيضاء لا أسطر فيها؟ فعاجلني بنبرته الواثقة وبحّته الشّجيّة: يا أحمد! أنا بلّيط. مثلما أرصف البلاط مستقيمًا أسطّر أيضًا الصّفحة البيضاء بخطّ وهميّ أرسمه في ذهني، ثم أكتب ما أريد".

حين رقد في الغرفة البيضاء، ما كان يتحرّك قطّ، لكنّه كان يتعرّف على كلّ عائديه، يستقبلهم بإيماءة من رمش عينه، ويودّعهم بما تبقّى من خفقات في قلبه.
لا تنسانا "أبو العبد".

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0

اضافة تعليق

الاسم الشخصي *

 

المنطقة / البلدة

البريد الالكتروني

 

عنوان التعليق *

 

التعليق *

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0
الصفحة الاولى | الاعلان في الموقع | اتصلوا بنا |                                                                                                                                                                                               Powered By ARASTAR