|
|
|
المحامي حسن عبادي: زهور تأكلها النارالتاريخ : 2018-03-14 11:14:05 |"من والدتها الإيطالية ورثت الجمال، ومن والدها الثراء. كانت تخطو إلى العشرينحين عادت من مصر حيث درست علم الجمال فأشرق حسنها على مدينتها "السور" بمجتمعها المتنوع. تظهر فجأة على الجدران كتابات لجماعة "الذكرى والتاريخ" التي أعلنت الثورة على "الكفار" مستبيحة المدينة قتلاً وذبحاً وسبياً باسم الشريعة. هذا ما جاء في تظهير رواية "زهور تأكلها النار" للروائي السوداني أمير تاج السرّ(الصادرة عن دار الساقي اللبنانية، في 189 صفحة) ولوحة الغلاف بريشة الفنانة التشكيلية العُمانية عالية الفارسي. أمير تاج السر روائي سوداني، تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية. صدرت له عدة روايات"منتجع الساحرات"، "إيبولا 76"، "اشتهاء"، "مهر الصياح"، "صائد اليرقات"، "زحف النمل"، أرض السودان.. الحلو والمر" وغيرها. عنوانالرواية "زهور تأكلها النار" دلالة رمزية عن وشم على ظهرماريكار، عبارة عن زهور ملونة تأكلها نيران كثيفة، يدلّ على خسارة الأريج والرونق، ذكراه تأتي مخيلة خميلة وهي سبية مع ماريكار أيضاً عند جنود المتّقي فتقول: "الزهور التي تأكلها النار، لشد ما يمثلنا الشعار، لشد ما يصبح نحن ونصبح هو.. ثلاثون يوماً مضت ونحن أسيرات بيت أم الطيبات، زهوراً تتربع في النار". تُصوّرالرواية حكاية مدينة السور الواقعة غرب البلاد "محاطة بكثير من القرى المبعثرة، وحاضرة لمنطقة ممتدة وغنية، كانت في الحقيقة، ميدان فوضى كبير، ولم يعرف أحد أبدًا أن هناك علمًا للجمال، يدرّس لعيدًا، ومن أساسياته محاربة الدمامة، والكاتم النابي والسيطرة على الفوضى، حتى لو صدرت من حمار مخمور، أو ديك يطارد دجاجة ساعة النزوة" (ص. 23)، مدينة غير معرّفة وتصلح لتكون في أيّة بلد عربي،علنت الثورة على من سمتهم "الكفار"، مستبيحة المدينة، قتلاً وذبحاً وخطفًا وسبياً باسم الشريعة، الالتحاق بالمسلحين لا يمُت للدين بصلة وبعيد عن دين الاسلام، دين الفطرة والرحمة والرأفة والأمن والسّلام، حيث قتل النفس يُعَدُّ من أكبر الكبائر ويأتي بعدها الشرك بالله، فالله عزّ وجل هو واهب الحياة وليس لأحد أن يزهقها وجاء في القرآن الكريم (وّمَن يقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمدًا فجزاؤُهُ جهنّم خالِدًا فيها وغضِبَ الله عليه ولَعَنَهُ وأعَدَّ لهُ عذابًا عظيمًا)(سورة النساء - الآية 93). وتأتي النهاية ضبابية " هل فرّت خميلة من السبي؟"أسمع صوتاً عجوزًا غاضبًا يأتيني من بعيد: من لولو يا نعناعة؟" أو أنها كانت تحلم؟ ليبقى مصيرها ضبابيًا كعشرات آلاف النساء والرجال والأطفال من الضحايا. يتساءل الكاتب :"لماذا كل هذا؟ لماذا هناك في الدنيا، من يتبنى التدمير، والخراب، وسحل الدم، وتوجد آلاف الطرق التي يمكن أن تسلك من أجل تعمير المدمّر أصلًا، آلاف الحيل لصناعة ضحكة، لاختراع ابتسامة، لردم سكة موحلة؟" (ص.82) فتجيبه خميلة: "تذكرت أن هناك من ردد بصوت متشنج، أن الحيات قد قصت رؤوسها، وفي معمعة بليدة كهذه، أي قبطي قد يكون حية، أي بوذي قد يكون، وأي مسلم مسالم، لم يعتدِ أو يسمح بالاعتداء، قد يكون حية كبيرة، ويقص رأسها بلا تردد".(ص.100) نجح الكاتب في توظيف الأسطورة مع كيوبيد، إله العشق، دون إقحام أو تكلّف، واليوتوبيا، وكذلك توظيفه للسخرية السوداء حين تناول ذكورية الشرقي "الآباء قد ينتبهون إلى بقع الزيت الصغيرة، غير المرئية، على صدر قمصانهم الداكنة، وعدم وجود مزهرية، دفعوا فيها مبلغًا من المال، في مكانها المعتاد من صالة البيت، والعرج الطفيف الذي قد يصيب فرسًا غالية، من جراء حصاة علقت بحافرها، وربما نظرة خادمة بريئة، وبلا أي معنى، لكنهم نادرًا ما ينتبهون، أو لا ينتبهون مطلقًا، لخطوط ريشة الأرق على عيون أبنائهم، والشيخوخة التي تنخر قلوب نسائهم بفعل الحمل والولادة، وترتيب الأولاد حتى يكبروا"(ص.17)والتقليد الأعمى للغريب واستنساخ نهجه ليراه محاكاة غير ملائمة "ما أقبح السرج حين يوضع على ظهر بقرة"! ، بيع الذنوب في سوق الآخرة وشراء الغفران بالدم!، وحين صوّر تجيير اسم خميلة فصار "النعنانة" وخرجت مع نساء البلدة ليشاهدن "البيوت المهدمة، والأشجار المجتثة من عروقها، والحرائق التي لا يزال رمادها يتجدد باستمرار، والعقارب والثعابين تزحف علانية، والقطط والكلاب الضالة كسيرة الجناح بلا مواء أو نباح، أو حتى قمامة فيها رائحة طعام".، وكل ذلك بلغة شاعريّة انسيابية بعيدة عن التعقيد والدبلجة، مليئة بعنصر التشويق. يظل الكاتب متفائلا، ف"نعرف كلنا، كيف دمر الغضب العقائدي أوروبا في عصر من العصور، واحتاجت لسنين عجاف طويلة، حتى استيقظت من جديد" . إنها مدينة السور يا خميلة، إنه الوطن كله!!!
*** من الجدير بالذكر أن الرواية وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة "البوكر" لعام 2018 تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |