www.almasar.co.il
 
 

مجد الكروم تحتضن مظاهرة قطرية حاشدة ضد الحرب على غزة: يا غزة لا تهتزي كلك كرامة وعزة!

شاركت حشود غفيرة من المجتمع العربي بعد ظهر امس السبت بمظاهرة قطريّة...

لينا ابو مخ/ الزواج المبكر بين القانون والمجتمع

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي...

منحة 23 ألف شيقل عند بلوغ سن 21 هدية من الدولة

علم مراسل موقع وصحيفة "المسار" انه بتداء من شهر كانون الثاني 2017 ستقوم...

عطر 2020 من Montblanc للرجال

تقدم دار العطور الفرنسية Montblanc عطر Legend Eau de Parfum، وهو إصدار أقوى وأكثر...
  هل تعتقد ان الحكومة الجديدة ستساعد في الحد من جرائم العنف في المجتمع العربي؟

نعم

لا

لا رأي لي

ام الفحم 22-32
الناصرة 31-20
بئر السبع 33-21
رامالله 32-22
عكا 29-23
يافا تل ابيب 29-24
القدس 32-18
حيفا 31-23

عز الدين المناصرة: مجلة الأفق الجديد… القدسُ تجمعُنا (1961-1966)

التاريخ : 2018-06-15 02:26:19 | عن: رأي اليوم





القدس هي عاصمة الكنعانيين القدامى، وهي عاصمة فلسطين الأبدية، وهي عاصمة العالم، الثقافية والروحية. وفي القدس ظهرتْ (مجلّة الأفق الجديد)، لتعلن عن الحداثة الأدبية في فلسطين والأردن، في الفترة (1961-1966). كانت (الضفّة الفلسطينية) تحت الحكم الأردني، وكان (قطاع غزّة)، تحت الحكم المصري، وكانت (فلسطين-48)، تحت الاحتلال الإسرائيلي، وما تزال. وكان اللاجئون الفلسطينيون في منافيهم، وما زالوا، يُعانون، منتظرين أن يُعيدهم (العالم) إلى وطنهم فلسطين، حسب القرار 194، الصادر عن الأمم المتحدة، وما زالوا ينتظرون ذلك الحلّ العادل والشامل، دون جدوى. حصلت على شهادة الثانوية العامة في صيف 1964 في مدرسة الحسين بن علي بالخليل. وقبلها كنت أقرأ (الأفق الجديد) في مكتبة المدرسة، فأرسلت قصة قصيرة، بعنوان: (عطية جورة)، استخدمت فيها (الهوامش) مكملة لمتن القصة. أرسلتها إلى أمين شنّار (رئيس التحرير)، وكانت القصة نفسها قد نشرت في جريدة الجهاد المقدسية. فوجئت بنشرها في (الأفق الجديد). وكنت حريصاً في رسالتي لأمين شنار، أن لا يفهم منها، أنني ما زلتُ طالباً في المدرسة الثانوية!!. لاحقاً، اعترف لي أمين، بمسألة فنيّة، وهي أنني، (أول قاصّ عربي يستخدم الهوامش كمكمل للمتن القصصي). فرحتُ لهذا الإطراء، ومع هذا، فأنا، لم أكتب في حياتي الأدبية، سوى هذه القصة اليتيمة، حتى الآن.
في تلك الأيام، أشاعت (الأفق الجديد)، روح الحداثة:
بدأت إرهاصات (الحداثة الأولى) في الشعر العربي الحديث، منذ عام 1953، أي مع ظهور (مجلة الآداب) البيروتية، التي نشرت آنذاك، قصائد: نزار قبّاني، وبدر شاكر السيّاب، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، وعبد الوهاب البيّاتي، وصلاح عبد الصبور، وخليل حاوي، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد الفيتوري، وسعدي يوسف، وبلند الحيدري، وغيرهم في الخمسينات. ثمّ نشرت (الآداب)، في (الستينات)، قصائد، حسب الشيخ جعفر، أمل دنقل، عزالدين المناصرة، محمود درويش، سميح القاسم، ممدوح عدوان، محمد إبراهيم أبو سنّة، معين بسيسو، وغيرهم. هكذا كانت (مجلة الآداب)، هي المجلة المركزية، للشعر العربي الحديث، التي أحدثت (أوَّل تغيير جذري في تاريخ الشعر العربي، ونظرياته). وفي بيروت أيضاً، ظهرت بعد (الآداب)، مجلة (شعر)، عام 1957، وكان أشهر كتّابها هم: أدونيس، وأنسي الحاج، ومحمد الماغوط، وتوفيق صايغ، وجبرا إبراهيم جبرا، وشوقي ابي شقرا، أي، (اثنان فلسطينيان، واثنان لبنانيّان، واثنان سوريّان)، التي روّجت لقصيدة النثر، مع هذا أجزم أن (أمين الريحاني) هو رائد قصيدة النثر(1910). بينما كانت (الآداب)، مركزاً لكل الشعراء العرب الحداثيين. كما أنّ الفارق بينهما في عدد القرّاء، هو فارق عظيم، إذْ كانت (مجلة شعر) محدودة الانتشار، بسبب الشبهة السياسية حول مصدر تمويلها، إذْ قيل إنّ تمويلها قد تمَّ عبر قناة وزارة الخارجية الأمريكية، بوساطة شارل مالك، وزير خارجية لبنان في عهد الرئيس كميل شمعون. وحين افتضح أمر (مجلة حوار) الأدبية عام 1965، حين أعلنت مجلة نيوزويك الأمريكية، صحّة خبر تمويل مجلة (حوار) من المخابرات المركزية الأمريكية، عبر المنظمة الأمريكية لحرية الثقافة، بدأت (مجلة شعر)، بالانسحاب التدريجي من الحياة الثقافية، حتى توقفت تماماً. ثمّ ظهرت (مجلة مواقف) لأدونيس عام 1968. كانت مجلة الآداب، تتبنى الفكر القومي، وكانت مجلة شعر (إديولوجية حتى العظم- عباس بيضون) أيضاً. وكان الصراع بينهما، إديولوجياً، لا شعرياً، لأنّ (قصيدة النثر)، لم تظهر بعد (قصيدة الشعر الحرّ)، أي أنها ليست تطويراً للشعر الحرّ، بل ولدت قصيدة النثر، موازيةً تاريخياً للقصيدة الحرّة، التي وصفت لاحقاً، خطأ بوصف (قصيدة التفعيلة)، لأن الوزن ليس هو الفارق، بل الفارق يكمن في (مفهوم الحداثة الشعرية) بين (مجلة الآداب)، و (مجلة شعر).
-في ظلّ الصراع بين(الآداب، وشعر)، ظهرت مجلة الأفق الجديد المقدسية، عام 1961، حاملة شعار (الحداثة والديمقراطية والوطنية)، ورغم أنها كانت (المجلة الأولى) في فلسطين والأردن، أي أنها كانت مؤثرةً، ومنتشرةً، أكثر من (الآداب)، حيث كانت توزّع شهرياً، ألفي نسخة، إلاّ أنّ (الأفق الجديد)، كانت مفتوحة أمام الشعراء العرب من كل الأقطار العربية، خصوصاً: (فلسطين، الأردن، سوريا، العراق، لبنان، مصر). وكانت منفتحةً على أشكال الشعر كلّها، فنشر قصائده فيها، كثيرون، منهم: (علي الجندي، فايز خضُّور، بدوي الجبل، نذير العظمة من سوريا، ومحمود حسن إسماعيل، وأحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، وملك عبد العزيز، وكامل أيوب، ومحمد إبراهيم أبو سنّة، ومجاهد عبد المنعم مجاهد وغيرهم من مصر، ومحمد الفيتوري من السودان) وغيرهم من العراق، ونشرت الأفق الجديد مقالين لأدونيس، كما نشرت حوارات كثيرة، أذكر منها: حوارات مع عباس محمود العقاد، وفدوى طوقان، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد الفيتوري، وعبد الوهاب البيّاتي، وأحمد رامي، ويوسف الخال، وغادة السمّان، ومعين بسيسو. كما كانت أوّل مجلة عربية، تنشر قصائد لشعراء شباب من (فلسطين-48)، لأول مرّة: محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زيّاد، وغيرهم، قبل أن ينشر غسّان كنفاني مختاراته من شعرهم في كتاب. كما نشرت الأفق الجديد، قصائد مترجمة لشعراء أجانب، مثل: (وردزورث، إليوت، توماس مور، رامبو، توماس غريه، وليم بليك، بابلونيرودا، روبرت فروست، جاك بريفين، لوركا)، وكانت أول من نشر ترجمة لقصيدة إليوت الشهيرة (الأرض الخراب) بترجمة: طلال حجازي من الأردن. وكان يدير (مجلة الأفق الجديد)، ثلاثة: محمود الشريف، جمعة حمّاد، وأمين شنّار، لكن أمين هو رئيس التحرير الفعلي والرسمي، وعندما نتحدث عن الأفق الجديد، فنحن نعني أمين شنّار بالتحديد.
إذن، نشأت الأفق الجديد في ظلّ مفهوم الحداثة الأدبية، القادم من بيروت، وكانت منتشرة في فلسطين والأردن، أكثر من (الآداب)، و (شعر)، إذْ كانت تصل إلى الأردن، مثلاً، أعدادٌ محدودة من (مجلة شعر)، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. نشر عشرات الأدباء من فلسطين والأردن، قصائدهم، ومقالاتهم النقدية، وقصصهم على صفحات الأفق الجديد، وهي أسماء معروفة أردنياً، وفلسطينياً، لكنّ الذي تجاوزوا أفق فلسطين والأردن، نحو الأفق العربي، فهم محدودون، لأسباب لا مجال لشرحها، منهم: فدوى طوقان، وعز الدين المناصرة، ومحمد القيسي، ومحمود درويش، ومعين بسيسو، وسميح القاسم، وغيرهم في مجال الشعر، ومحمود شقير، وفخري قعوار، وخليل السواحري، ويحيى يخلف في القصة القصيرة، رغم أنّ فايز صُيّاغ كان نشيطاً في نشر قصائده وفي الترجمة، فهو من ترجم مثلاً قصائد لوركا، إلاّ أنه أصدر محموعة شعرية واحدة لاحقاً، عام 1979، ورغم أن ديوان عبدالرحيم عمر (أغنيات للصمت، 1964)، كان يُبشر بنوع ما من الحداثة، إلاّ أنه لاحقاً، أصدر مجموعة دواوين، ذات طابع وسطي، وكان متردداً بين القصيدة الحرّة، والشعر العمودي. أمّا تيسير سبول، فقد أصدر مجموعة شعرية واحدة، تجد فيها أصداء قصائد الشعراء الروّاد العرب، لكنه أنجز أوّل، وأهم رواية أردنية حداثية، (أنت منذ اليوم، 1968). أمّا أمين شنّار، فقد أصدر ديواناً عمودياً عام 1958، بعنوان: (المشعل الخالد)، طغت عليه الإديولوجيا الإسلامية، ثمّ نشر في الستينات، مجموعة من قصائده الحرّة على صفحات الأفق الجديد، ولم يجمعها في ديوان، لكنّه قدّم رواية حداثية هامة (الكابوس، 1968)، حيث نال جائزة جريدة النهار اللبنانية، مناصفة مع رواية تيسير سبول. كما أنّ أمين شنّار، هو أوّل كاتب سيناريوهات تلفزيونية في الأردن، تحولت إلى مسلسلات ناجحة. وهو كاتب مقالات صحافية في جريدة (الدستور)، وإذا ما قسنا قصائده الحرّة على زمانه، أي النصف الأول من الستينات، فهي قصائد متقدمة من زاوية الحداثة. وأفضل ما نكرّم به، هذا المثقف الرائد، والديمقراطي، الذي له فضلٌ كبير على (بدايات) معظم الأدباء الحاليين في الأردن وفلسطين (وأنا منهم)، هو جمع وطبع أعماله الكاملة (الشعر، الرواية، السيناريوهات، المقالة الصحافية)، وقد طالبنا بذلك سابقاً، كلّ المؤسسات الثقافية في الأردن، دون جدوى تُذكر. أما، مسألة (الجمع)، فيمكن أن يُكلّف بها ثلاثة أكاديميين من الشباب. أمّا الطباعة فأمرها سهل. وتذهب عيني باتجاه (وزارة الثقافة)، لتحقيق هذا المطلوب.
قصّة: سلَّة العنب الخليلي:
- كان ذلك في صيف 1964. قالت لي أُمّي، ستسافر غداً إلى بلدة (دير دبوان) برام الله، لأن والدك، منشغل في قطاف العنب في الكرم الغربي. قلبي منشغلٌ على شقيقك في دير دبوان. جهّزت والدتي، سلّة عنب، بأفخر أنواع العنب الدابوقي. وحرصت كعادتها على تقديم بعض الوصايا والتحذيرات لي. قبَّلتُ وجنتيها، وجبينها، وقالت لي: الله معك. امتطيتُ باص (بلدة بني نعيم) الخليلية، التي كانت تبعد عن (الخليل)، ثمانية كيلومترات. ثمّ ركبتُ باص (الخليل- القدس)، فانطلق هادراً مع أصوات الباعة المترددة: (ريحاوي يا موز، خليلي يا عنب، من (بيت أُمَّر) يا تفاح، من جبل الشيخ يا برّاد، نعيمي يا تين)... الخ. ظلّت هذه الأصوات تلاحقني، لاحقاً، وأنا في المنافي العربية والأجنبية. ظلَّ رنينُها يحاصرني، فأبتسم أحياناً، وأبكي وحشتي أحياناً أخرى. ذات مرّة، أكلت خصلة عنب في سوق (تلمسان) بالجزائر، فانفجر حنيني إلى الخليل، وسقطت دمعة من عيني. كنت منفياً هناك، بقرار. وذات مرّة، شاهدتُ تُحفاً من زجاج الخليل، في إحدى محلاّت فرانكفورت بألمانيا، وقد كُتبت عليها، جملة كالطعنة: (صناعة الخليل- إسرائيل)!!. هكذا تلاحقني (الدولة الخازوق) حتى في المنفى، وهكذا تُزوِّرُني، وتزوّر تاريخي، وتطعنني في أعماق القلب.
وصلتُ إلى (القدس)، تجولت قليلاً في (باب العامود). تذكرت فجأة، أمين شنّار ومجلة الأفق الجديد. سألتُ عن شارع صلاح الدين. وصلتُ إليه. تجولت فيه، وأنا أقرأ لافتات المحلاّت التجارية، والشركات، والمؤسسات، والمقاهي، بمتعة خاصة. لم أشعر بقلق، وأنا أبحث عن لافتة الأفق الجديد. أخيراً، رأيتها، شعرت بالراحة، لكنّ القلق عاد لي. إنها المشكلة العالمية، أي (سلّة العنب): كيف أذهب إلى رئيس التحرير، وأنا أحمل سلّة العنب. ذهبت إلى مقهى مجاور، وشربت شاياً، واسترحت قليلاً. ثمّ فكّرت في أن أترك سلّة العنب الصديقة، عند صاحب المقهى، لكنني تخوَّفتُ من تحذيرات أمي. هكذا قررت أن أزور رئيس التحرير، ومعي سلّة العنب، رفيقة الرحلة. طرقت الباب المفتوح. ألقيت السلام. وضعت سلّة العنب جانباً. تقدمت نحو رئيس التحرير، فرأيته يبتسم، عرّفته بنفسي، فخرج من وراء مكتبه، وصافحني بحرارة، وقال لي: كنت أعتقد أنك أكبر سنّاً. قصّتك جميلة. قصيدتك وصلت وسوف تنشر. لخّص أمين شنّار، كل ما أردت أن أسأل عنه في دقائق معدودة. فوجئ أنني أنهيتُ الثانوية. وبدأ الحوار. كان رجلاً سمحاً ودوداَ، وكنت أتصوره متجهماً، مما شجعني على مواصلة الأسئلة. واستغرق الحوار ساعة كاملة. تركته وانثنيت باتجاه سلّة العنب، وضعتها أمامه على المكتب، ودعوته لأخذ ما يشاء منها. تناول قطفاً واحداً، أكل خصلة عنب واحدة منه، وتركه فوق كتاب. امتدح العنب الخليلي وخصائصه، ومازحني قائلاً: (لكنكم أنتم الخلايلة، تبيعونه لخمّارات بيت لحم، ليصبح نبيذاً محرّماً علينا نحن المسلمين). شرحت له أن والدي يرفض بيع العنب لبراميل الخمارات، ويبيعه بسعر أقل في السوق العادي، تناقشنا في أمور (الشعر الحرّ الحديث)، وفي أمور الإسلام، والمسيحية التلحمية، والمسيحية في أوروبا وأمريكا. واتفقنا، أنّ (بيت لحم)، هي مركز المسيحية في العالم. تكلُّمت له عن نساء (بيت جالا)، اللواتي يلبسن (الحزام الأحمر)، مثل نساء القيسية في جبل الخليل، وعن عيد صبغ البيض (خميس الأموات)، في بلدة بني نعيم، وهو نفسه عيد الفصح في بيت لحم. فجأةً، سألني: في أي جامعة ستدرس. قلت له: سأُسافر إلى القاهرة للدراسة في جامعتها في أكتوبر. قال لي، بعد أن صمت برهة: حسناً، هذا أمر جميل، فالقاهرة، هي مركز الثقافة العربية. لماذا لا تكون (مراسلاً صحافياً للأفق الجديد) في مصر. وبعد أن أجابني على أسئلة، وافقت. تصافحنا من جديد، وودعته، وواصلت رحلتي مع سلّة العنب إلى شقيقي الأكبر، الذي كان يعمل مديراً لبريد دير دبوان برام الله. ولاحقاً في المنافي، ظلّت (سلّة العنب) رفيقة عمري الشقي، طيلة حياتي، وحتى الآن. إنها (الشجرة المقدسة) بالنسبة لي تليها شجرة الزيتون، ولي علاقة عاطفية أيضاً مع البرتقال اليافاوي، والموز الريحاوي.
الإسلامي الديمقراطي السمح:
قيل لي: إنّ أمين شنّار، كان ينتمي لحزب التحرير الإسلامي، ثمّ تحوَّل إلى حزب الإخوان المسلمين. وقيل لي: بل هو إسلامي مستقل. وكنت في القاهرة (مراسلاً للأفق الجديد)، منذ أكتوبر 1964، وحتى إغلاق المجلة في النصف الثاني من عام 1966. معظم المواد المنشورة في الأفق الجديد، القادمة من مصر، كنت أنا من أرسلها، وكانت تُنشر باسم: (محمد المناصرة، محمد عزالدين المناصرة، عزالدين المناصرة)، أو: (مراسل الأفق الجديد في القاهرة)، أو (مكتب الأفق الجديد - القاهرة). أقول ذلك، لأنّ صديقي الدكتور قسطندي الشوملي من جامعة بيت لحم، نشر بحثاً عن الأدب الفلسطيني، وحين ذكر الشعراء، قال بأنه (قد ظهر شاعر اسمه (محمد المناصرة)، قبل عام 1967، ثم ظهر الشاعر عز الدين المناصرة، بعد عام 1967!!). كنت آنذاك، أتردد على (مقهى ريش) بالقاهرة، وتأثرت بأطروحات اليسار المصري الفكرية. كنت ألتقي نجيب محفوظ، يومياً، وكان نجيب محفوظ من قرّاء الأفق الجديد الدائمين، حيث كنت أهديه نسخة منها. وذات مرّة، طلبت من الصديقة والزميلة الشاعرة (ملك عبد العزيز) زوجة الدكتور محمد مندور، أن أقابله، وبالفعل دعتني إلى منزلهما في حي الروضة. استقبلني مندور بالترحاب. أخذت له بعض الأعداد، فتصفّح (الأفق الجديد)، وقال لي، ونحن نشرب الشاي: هذه مجلة رائعة ذات مستوى رفيع. وحين طلبت منه أن نجري لاحقاً حواراً معه، وافق على الفور، واتفقنا أن نجري الحوار بعد أن يعود من العملية التي سيجريها في المستشفى، لكنه توفي في نفس الشهر (عام 1965). لم يكن أمين شنّار يسأل عن الميول العقائدية والسياسية للكاتب حين يفكر في نشر مقال أو قصيدة أو قصة، وحين طرحت معه الموضوع ذات مرّة، قال لي: لا يهمني ذلك، وكان يعرف أني أصبحت في عامي 1965، و 1966، قريباً من اليسار المصري. قال لي: المُهمّ مستوى الإبداع، والتعددية في الأفكار، وهو قد نشر لشيوعيين ويساريين، وقوميين، وليبراليين، ومستقلين، وإسلاميين، بنفس الدرجة من الاهتمام. ولم يطلب مني في مراسلاتنا المتبادلة بين القدس والقاهرة، أية إشارة، أو إيحاء، له علاقة بهذا الموضوع. كما أنني من جهتي، لم أتقاضى قرشاً واحداً من مهنتي كمراسل صحافي، ولم يرفض أمين، أية مادة أرسلتها له من القاهرة. وعندما كان أصدقاء أدباء يزورونني في القاهرة، قادمين من فلسطين أو عمّان، أو دمشق، أو بيروت، كانوا يسألونني: أين مكتب الأفق الجديد؟ فأجيبهم: إنه مكتبي في غرفتي في الشقّة التي كنت أسكنها مع طالبين آخرين. ويبدو أن هذه الديمقراطية الأدبية، النوعية، وهذا التسامح الشخصي والفكري في شخصية أمين شنّار، هو ما جعله محبوباً لدى معظم أدباء الأردن وفلسطين، آنذاك.
أمين شنّار، وتيسير سبول: الرمزية الصوفية:
كان تيسير سبول من أصدقاء عمري اليوميين. تعرّفت إليه في شهر شباط عام 1970 بالقاهرة. دقّ باب شقّتي في شارع (السبع سواقي)، خلف شارع القصر العيني، وكنت لم أره سابقاً، بل سمعت عن روايته (أنت منذ اليوم). وكان تيسير قد نشر قصيدته (أحزان صحراوية) عام 1961 في الأفق الجديد. قال لي: أحمل لك رسالة من عبد الرحيم عمر، وعرَّفني بنفسه، فاستقبلته استقبال الأخوة، وكان أكبر سنّاً مني. ثمّ عدت إلى عمّان في نفس الشهر، بعد أن تركت القاهرة نهائياً، وبعد خمس سنوات قضيتها فيها. وفي عمّان توثقت الصداقة بيني وبين تيسير في علاقة يومية، صباحاً، ومساءً. وكنّا نتشاجر أحياناً، ونتصالح في اليوم التالي، حين نتناقش في الأمور السياسية. كان تيسير من النوع الصريح الحادّ، وكان يُسميني (ضمير الشوك)، لأنني أيضاً، كنت أقول له، ما لا يجرؤ بعض الأصدقاء على قوله له في حضوره، فيغضب، ثمّ يهدأ، ويشكرني. كان تيسير، إذن، صديقاً لأمين شنّار منذ أول الستينات، بسبب علاقة (الأفق الجديد). التقيت وتيسير ذات مساء في أحد المطاعم مع مجموعة من الأصدقاء. شربنا حتى الثُمالة. أراد تيسير أن يوصلني إلى منزلي في (حارة الأرمن)، لكنه فجأة، انحرف بسيارته، تجاه (جبل الحسين). كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ليلاً. فجأة توقف أمام بناية يسكن فيها أمين شنّار مع عائلته. وكنت أزور أمين بين الحين والآخر. وكان ذلك في النصف الثاني من عام (1973). جرجرني تيسير بقوة، مبرراً ذلك بأن ضوء الصالون مشتعل، وبالتالي: من المؤكد أن أمين، يقرأ. تشاجرت قليلاً مع تيسير، قائلاً بأن الوقت غير مناسب، وتحت إلحاح تيسير، استسلمت. استقبلنا أمين بسماحته المعهودة، رغم أنه أدرك أن أمورنا غير عادية، فابتسم، ولم يُعلّق، رغم أنه شمّ رائحتنا التي لا يحبّها، ويرفضها عقله، وإيمانه. جرى الحوار، بسرعة، سأل تيسير عدة أسئلة في المسألة الصوفية (خصوصاً: الجنّة، والنار، والكون، والله)، وعلاقة الإنسان بها. وكنتُ أشارك في الحوار بين الحين والآخر. وكان أمين مطمئناً لإجاباته، وحين غادرنا منزل أمين، قال لي تيسير، كما لو كان يكلّم نفسه: (الآن اقتنعت)، سألته: بماذا اقتنعت، لكنه رفض الإجابة، كما لو كانت هذه القناعة، تخصُّه وحده. وامتدح تيسير (أميناً)، ووصفه بالمثقف الصادق. نعم أعرف تفاصيل الحوار، وأتذكره، ولا أستطيع البوح به حتى الآن، وعرفت لاحقاً أنّ تيسير كان يتردد على منزل أمين، دون أن يقول لي ذلك. غادرت عمّان نهائياً إلى بيروت وانقطعت علاقتي بأمين شنّار، باستثناء بعض السلامات مع المسافرين إلى بيروت، أو عمّان، منذ أواخر عام 1973، وحتى عودتي إلى عمّان في صيف 1991. سألت عنه بعد عودتي مراراً، لكنّ الذين سألتهم، قالوا لي: إنه يعمل في (مدارس الأقصى) بعمّان، وأنه لا يخرج إلى الحياة الثقافية العامة، وأنه منعزل، ولا يرغب في الحوار مع الماضي... الخ. لهذا كنت أكتفي بقراءة مقالاته في جريدة الدستور، لكنّه أيضاً كان يرسل لي سلامات مع شقيقي (عباس المناصرة)، صديق أمين في الإديولوجيا، والمسائل الدينيّة. وقال لي شقيقي: إنه مريض، ومعتكف، أيضاً. وهكذا، كان أمين شنّار، مثقفاً، ذا شخصية رائدة في مجال الحداثة، وكان إسلامياً سمحاً ديمقراطياً، وهذا ما أحببناه فيه. طبعاً أعني بالحداثة، مفهومها في النصف الأول من الستينات. أما صلتي الشخصية به، فقد ظلّت، علاقة احترام متبادل، وكان معجباً، بأول مجموعتين شعريتين لي: (يا عنب الخليل، والخروج من البحر الميت)، وأخجل الآن أن أقول، ماذا قال عنهما. وذات مرّة سأل شقيقي، صديقه في التسعينات: هل ما زال عز الدين، يحمل سلّة العنب. فأجابه شقيقي: (نعم). وأنا سأظلّ أقول: نعم ستظل القدس تجمعنا، فلسطينيين، وأردنيين، وعرباً مع أحرار العالم.


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0

اضافة تعليق

الاسم الشخصي *

 

المنطقة / البلدة

البريد الالكتروني

 

عنوان التعليق *

 

التعليق *

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0
الصفحة الاولى | الاعلان في الموقع | اتصلوا بنا |                                                                                                                                                                                               Powered By ARASTAR