|
|
|
د. أحمد محمود إغباريّة: نحو إنشاء مركز أبحاث لدراسة العنف في الوسط العربيّالتاريخ : 2018-09-18 14:45:45 |متى ندرك أنّ الجريمة المتفشّية في مجتمعنا العربيّ هي عبارة عن مرض اجتماعيّ يتوجّب معالجته بطريقة مهنيّة كما في أيّ مرض آخر، وليس بالطريقة العشائريّة المعمول بها، والتي يقتصر دورها على محاولة احتواء تداعي الجريمة بعد وقوعها، ليس أكثر؟! مثلما الطبيب يعالج المريض معتمدًا على آخر ما توصّل إليه علم الطبّ من إنجازات، هكذا يتعيّن علينا التعامل مع آفّة العنف التي تفتك بقطاعات واسعة من مجتمعنا العربي. إنّ تحديد الآليّة السّليمة للتّشخيص هو الخطوة الأولى في الطّريق نحو العلاج. وعليه، فإنّ الجهة الوحيدة المخوّلة في البتّ في هكذا مسألة هم المهنيّون المتخصّصون في المجال، وليس رؤوس العشائر أو رجال الدّين أو مرشحو الانتخابات الذين هم جزء من المنظومة الاجتماعيّة السّائدة التي يستحيل عليهم تجاوزها أو معاينتها نقديًّا من الخارج. قبل سنوات، اقترحت إنشاء مركز أبحاث لدراسة مشكلة العنف في الوسط العربيّ، وظيفته إجراء دراسات ميدانيّة ونظريّة حول العنف، فضلًا عن عقد المؤتمرات ذات الصّلة، على أن يتمّ تمويله من قبل المجالس والبلديّات العربيّة مجتمعة، أو من صناديق تمويل أجنبيّة، وهي على حدّ علمي كثيرة. إنّ مركزًا كهذا من شأنه أن يرفد العاملين الاجتماعيين، الإخصائيين النفسيّين والمستشارين التربويّين العاملين في الحقل؛ بكافة المعطيات الضّروريّة لتنجيع عملهم، ناهيك عن الآليّات التي يُفترض التّعويل عليها، والتي قد تختلف من بلدة إلى أخرى. هنالك تجربة ناجحة في مكافحة العنف في وسطنا العربي، هي تجربة مدينة الطيّبة والتي بالإمكان دراستها بشكل علميّ من قبل مركز كالذي أقترحه، ومن ثمّ تعميمها على بقيّة المجالس والبلديّات العربيّة. لماذا لم يتمّ ذلك حتى الآن؟ لا أحد يعلم، وربما لا أحد معنيّ. أنا لا أنكر طبعًا أنّ قسمًا كبيرًا من العنف مردّه التّمييز العنصريّ الذي تمارسه السّلطة من خلال محاصرتها للتّجمّعات العربيّة، وحرمانها من الميزانيّات الضّروريّة لتهيئة بيئة اجتماعيّة صحيّة ولائقة بشبابنا. بيد أنّي لا أنكر أيضًا أنّ غالبيّة أسباب العنف تتعلّق بنا، بخصوصيّتنا الاجتماعيّة، وبذهنيّتنا التي شهدت تحولًا سلبيًّا في العقديْن الأخيريْن قد يكون نتيجة لتفاعلنا مع أفكار غريبة ليست من صميم ثقافتنا أو تراثنا. مع ذلك، ما زال العنف بالنّسبة لنا عدوًّا مباغتًا وخفيًّا لا ندرك حقيقته، لأنّنا نرفض التّعاطي معه علميًّا. إنّ إنشاء مركز كالذي أقترحه، وبمبادرة من لجنة المتابعة العليا، من شأنه أن يضع إصبعه على الجرح وأن يخطو بنا خطوة حاسمة في مواجهة الجريمة والعنف في وسطنا العربي، لأنّ البحث العلمي لا يكتفي بالإشارة إلى الأسباب المباشرة، بل يتعدّى ذلك إلى الأسباب البعيدة غير المرئيّة، والتي قد تكون خافية على الكثيرين، الأمر الذي يمكّننا من تدارك الكثير من المآسي الحاصلة، وتحصين مجتمعنا من الوباء الذي يهدّد حاضره ومستقبله.
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |