مها فتحي: نعمة المقاسات..!

التاريخ : 2018-09-22 13:58:12 |

ولذلك خلقنا الله مختلفين.. تصوّروا لو أنّ اللباس واحد ذات اللون، وذات الحجم، وذات الملمس؟!
تصوّروا لو أن أجسادَنا ذات البُنْيَة، لا طويل ولا قصير ولا متوسّط القامة، ذات الظلّ يمشي معنا على الأرض.. عيون كلها خضراء أو كلها داكنة سوداء أو عسلية اللون..شعرٌ إمّا مجعّد فقط أو ذات ملمس حريريّ، أصوات بذات الحدّة وألسنة بذات اللهجة؟! بل أعزّائي والمتاهة الأكثر تعقيدًا ليست في البصر والخطوات، بل تخيّلوا لو أنّنا نفس البصيرة والصفات والسلوكيّات ورؤوس جمّة تحمل عقلًا واحدًا فقط؟!
وماذا تقولون لو أنّ كل الرجال "زيد"، وكل النساء "سارة"، وكل الأحلام في المنام تمشي إلى تلال سبعة، فلا راوٍ ولا مستمِع لأنّ البجعات تكون قد ظهرت في نفس الحلم؟!
يُحكى عن ذات حلم أنّ رجلًا كانَ قد دُعِيَ الى وليمة، فوجَدَ أنّ كل الرجال هناك يشبهونه، الى درجة اعتقدَ أنّه وحده يجلس على طاولة الطعام.
وكانَ عندما يتحدّث لا يسمع إلا كلمات: نعم وأجل وهو كذلك، وكأنّه يحدّثُ نفسه، لذلك صمَتَ عن الكلام.
وثالثة الأثافي أنّه وجَدَ كل الطعام من نوع واحد، والشراب كذلك، فلم يعُد يشعر بحاسّة التذوّق. لذلك امتنع عن الأكل والشرب، وشعر بالرتابة والإختناق، وحاوَل مبارحة المكان. لكنه وجَدَ أنّ كل الذين كانوا معهُ همّوا الخروج مثله، فأخذَ يُسرع ويبحث عن أشياء لا تشبهه. عندها استيقظ مذعورًا من حلمه يتفقّد عائلته لا لسلامتهم، بل ليتأكّد انهم لا يشبهونه.
أحبّتي أبناء بلدتي.. لطالما أيقَنَ كلٌ منا بأن الإختلاف هو حالة صحيّة، ورحمة من الله، وفتحًا للممرات والمرايا، كي يرى الإنسان نفسه ويشعر بكينونتِهِ، وتبلور إقامته في هذه الدنيا.
ولطالما أيقنَ أيضًا كلٌ منا أنّ الإشكالية ليست في الإختلاف، إنّما في الخلاف والأذى والضرر الذي هو بذاته حالة مَرَضيّة، وأنّه من الحكمة حسن التصرّف عند الإختلاف.
دعوا، أحبّتي، البطولات الكاذبة في عربة إبليس، يجرّها باحثًا عن سفهاء مثلهِ متباهيًا بهم. وتعالوا إذا اختلفنا نُثري أنفسنا بالحوار والتروّي وحُسن الإستماع، لأنّ الجميع سيعود سالمًا إلى نفسِهِ دون أن يهزم أحد ودون أن ينتصر على أحد!
لسنا ملائكة، ولكننا نستطيع أن نحيَا بالأمنِ والأمان، ونستحضرهما في ليلنا الفحماوي الطويل، الذي أنهكه العنف والرصاص..!!