وللحقيقة فقد ذهلت مما رأيت وسمعت هناك، فقد كان الامر صادما ومحزنا. ثلاثة من أربعة أماكن كانت تشغّل الموسيقى والاغاني، وكأن ما يحدث في غزة وبقية الوطن مجرد حدث عابر أو حدث بعالم آخر .

وقفت وقلت لأصحاب المطاعم باني لما أرجع لبلدي في الداخل سأنقل ما شاهدته عندكم!

كيف يمكن ان نتوقع من العالم بأن يشعر فينا ويتضامن معنا، ونحن أنفسنا غير شاعرين بوجع أهلنا؟!

هذه أبسط الأشياء التي من المفروض ان تكون عند أبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده.

أهلنا في غزة يبادون ويحرقون احياء، والأطفال تحت الركام، والناس هنا (في اريحا وربما في غيرها من مدن الضفة وربما أيضا الداخل) يعيشون وكأنهم في عالم آخر.. اين الانتماء؟ واين الهوية؟ وان الإنسانية التي ينبغي ان تربطنا كشعب واحد؟

طلبت من صاحب أحد المطاعم بأن يوقف الموسيقى. ثار نقاش طويل، وكان وجعي أكبر من غضبي.

ما رأيته يدل على مشكلة أعمق تجسّد الانفصال عن القضية.. ولا يبدأ من موقف سياسي كبير، انما من التفاصيل الصغيرة، من اين نحن موجودون وكيف نتصرف.

وأكتر شيء مؤلم هو ان ترى الناس غير قادرة على ان تستغني عن الكوكاكولا، وكأنها جزء أساسي من حياتهم.. شيء مقزز. كيف لنا ان نلوم العالم على ضعف تضامنه معنا؟! كيف نريد ان نغير موقف العالم من قضيتنا إذا كنا غير مستعدين ان نبدأ التغيير من هنا، من أنفسنا ومن أفعالنا اليومية؟!

قبل شهرين، كنت بالأردن ورأيت نفس المشهد في اماكن معينة، مع ان المشهد العام هو غير ذلك بسبب المقاطعة الحقيقية. هل فعلاً فقدنا إحساسنا المشترك؟!

رسالتي واضحة: كل واحد منا سفير لقضيتنا، وتصرفاته هي التي تعبر عن احترامنا لأنفسنا ولمعاناة شعبنا. والتضامن لا يبدأ من الآخرين، التضامن يبدأ منا أنفسنا..!!

** سهاد كبها هي مديرة مؤسسة "تنوير" الثقافية بمدينة حيفا.