|
|
|
فايقة الصوص: يوميات الحرب على غزة: بَلَد ماشي..!!التاريخ : 2024-08-21 14:36:04 |
- بَلَد ماشي! نداء تسمعه من عشرات سائقي كارات الحمير المتراصَّة وسط شارع المخيم في دير البلح .. مشيت عشرات الأمتار وسط الأوحال ومجاري الصرف الصحي المتفجِّرة على طول الشارع، بين بسطات الخضار والمعلبات ومواد التموين، وأكياس الطحين، وصناديق السمك الطازج. فاليوم الرزق وفير حيث صناديق السردين والسلطعونات تملأ سوق المخيم المتاخم للبحر.. يا لحظّهم الجميل بالسمك!! وصلتُ لكارةٍ كان صاحبها ينادي: - بَلَد ماشي.. بَلَد ماشي.. مُنوِّهاً بأنه سينطلق حالاً إلى دوّار البَلَد - في وسط المدينة - دون أي تأخير! كانت الكارة هي الأولى في طابور الكارات التي من المفترض أن تمر في طريقها بمستشفى يافا الذي أقصده.. ولأننى على عجلة من أمري، سألت صاحب الكارة: - انت ماشي؟ لن تنتظر؟ متأكد ؟! - اه يا حجة .. اطلعي اتَّكأتُ بيدي على البطانية التي تغطي دكَّة العربة الخشبية لكي أركب .. - ما هذا ؟! إنها مبللة ! - لا يا حجة ، ولا حاجة، هذا ندى ، تقلقيش، اطمئني !! أي ندى هذا الذي لا يزال يبلل البطانية والوقت ضحى، وقد انتصفت شمس النهار ، واشتدت الحرارة إلى حد لا أحتمله ؟؟!! ركبت وانا اتحسس البلل وأحدث نفسي لمَ لا يكون طفل من الرُّكاب قد عملها قبل ان ينزل؟! مشى بالكارة أمتاراً قليلة.. طلبتُ منه ان يتوقَّف، فنزلت لأتخلص من نوبة الشَّك !! ركبت كارة ثانية ، حَسِبْتُها أنظف من التي سبقتها، واخترت الركوب على يمين الدَّكة، ظناً مني بأن العربجي سيأخذ يمين الشارع - تكتيك تتعلمه بالخبرة - فأتحاشى خطر اصطدام أرجلي المُدلّاة بأيِّ عارضٍ في الطريق.. ولكن عبثاً أظن، فلسنا دولة قانون ، وأي قانون هذا الذي يحكمنا !! لقد مشى العربجي بعكس توقعي ،تارة عن يمين الشارع، وتارة أخرى عن يساره ، وأحيانا وسطه، من بين الكارات والبسطات والتجار والمارة وأنا أضع يديَّ على ركبتي، أرفع كفي مفتوحة في وجه من يتجاوز كارتنا دون جدوى .. صدمتْ ركبتيَّ عربةٌ محمَّلة بكراتين معلبات! يا للهول انها صدمة قوية أوجعتْ ركبتي اليسرى الموجوعة مسبقاً، وتبعها اصطدام بدراجة هوائية يسوقها شاب. وارتطمت أقدامي بأقدام ركاب آخرين أثناء تجاوز الكارة التي تُقِلُّهم، بينما صرختُ من هجوم حصان جميل، وجهه مزين بـ"الخراخيش" الملونة كاد ان يُخرخشَ رأسه في حجري لولا أن سحبه صاحبه من اللجام، فأبعده عني.. بقيت متوترة من الزحام الذي سيؤخرني عن موعد المستشفى، بينما صاحب الكارة يضرب الحمار بالكرباج ويحثه على السرعة، صائحاً بأعلى صوته: "حاااااااا.. وَلَك حاااااااا"، فتزيد سرعته، وتتطاير معها رشقات الطين المعجون بمياه المجاري لتُلطِّخَ أطراف عباءتي التي حاولت أن ألملمها بين يديَّ قدر الإمكان.. لا زالت عيناي على الشارع الذي لم تظهر معالمه من الازدحام، ولا زلتُ اذكّر العربجي بألا ينسى أن يتوقف بي عند الشارع المؤدي إلى المستشفى.. كنت استمع لحوار العربجي والشاب الذي بجانبه حيث اجلس خلفهما تماماً .. - اليوم في مفاوضات، الساعة تسعة بنعرف النتيجة - يا رب يخلصونا وانفكّ من هالورطة، متنا ، والله اكثر من هيك موت ما في - والله إذا ما اتفقوا اليوم، دير البلح عليها السلام !! - لسه لما حماس توافق !! - يا رب يتفقوا يا رب ، واللة الليلة اللي فاتت طخت عليَّ الكواد كابتر، كادت تقتلني لولا رحمة ربنا .. صمت العربجي قليلاً، ثم قال: ها قد وصلنا المفترق، انزلي يا حجة..! نزلت متثاقلة من آثار الاصطدام على ركبتي ، لا يهم .. المهم ان لا أتأخر عن فحص العيون قبل الإعلان عن اكتفائهم بعدد الحالات.. دخلت الشارع، مشيت وسط زحام شديد وأنا أحدِّث نفسي: ماذا لو وجه جيش الاحتلال أوامره بإخلاء دير البلح التي تحوي قرابة المليون نازح؟! .. ولم لا؟! ها هم البارحة أخلوا شرق الدير والزوايدة والمصدر والمغازي !! فما الذي يمنعهم من إخلاء دير البلح كاملة، كما اخلوا رفح من قبل ؟؟!! وأين سيذهب الناس؟! وإلى اين سينزحون ؟! فلم يعد في أرضنا متسع لإيواء النازحين !! عدت من شرودي، لازالت عيناي على الشارع، المشهد يتكرر، مارَّة، مجاري، طين ، بسطات، معلبات، دجاج ، ونداءات التجار الذين يروِّجون لبضائعهم .. سألت أحدهم: - أين مستشفى يافا؟ - لقدام شوية ، عند الجامع المقصوف! توقفت عند الكلمة، وتذكرت قبل أيام وأنا في شارع البركة حين سألت عن شارع ال 17 فأجابني من سألته ، الشارع يمينك بعد الدار المقصوفة .. يا لحسرتنا!! لقد أصبح القصف معلماً وعنواناً في كل شبر من مناطق غزة !! وصلت المستشفى، ودخلت بابه من جانب ركام الجامع، لا شيئ يسر الخاطر ، فآثار الحرب ألقت بظلالها على المستشفى والمرضى والمصابين .. سيارات الإسعاف لا تتوقف عن الزعيق، وصَبيَّة تحمل كرسي تمشي به خلف أخيها المصاب الذي يتَّكٓئ على زوجته الصَّبية !! قطعتُ التذكرة ورقمها 107، بينما لم يتم الفحص إلا ل 35 حالة.. عليَّ أن أنتظر طويلاً حتى يأتي دوري ، فاستثمرت الوقت وكتبتُ هذه المذكرة .. # يوميات_الحرب_على_غزة: فايقة_الصوص (ام ايمن الصوص) الأحد 18 أغسطس 2024 (نصوص_من_غزة)
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |