لم تصدق إنني منذ وصولي قبل يومين إلى القدس احتضنتني رائحة المدينة كلها، وكأنها كانت في انتظاري!

أشعر، منذ أن وضعت قدماي على أرضها، بأن رائحة أشجار الزيتون - ممزوجة بالأبنية والشوارع والأرصفة الحجرية - تريد أن تسرد لي حديثاً طويلاً.

هل تتصور كيف انني أحاول أن آتي بالقدس إليك من خلال الأسطر، التي أزحمها بالتفاصيل الصغيرة. إلا انني أعجز عن الكتابة وكأنّ اللغة كلها علقت في حنجرة القلم ؟!

أتعلم أن القدس ليست كما تخيلتها أو قرأت عنها حتى.. هي مختلفة حين تتجول فيها، وكأنها تأخذك إلى أعماقها ومداخلها الضيقة والواسعة وباحاتها، التي هي الأخرى لا تتسع لها الأحرف للكتابة عنها.

لأول مرة، أشعر بأن هناك مدنًا لا تحتاج إلى من يحدثك عنها.. هي تحدثك عن نفسها بلا كلمات، وكأنك تشعر بأنها تهمس لك بالأحاديث والأسرار.

هنا شروق الشمس مختلف.. يبدو ضوؤها أكثر إصفرارًا وكأن الذهب يتساقط عليها كالمرايا عندما يلامس قبة الصخرة!

يا لهيبة المسجد الأقصى عندما تشرع للصلاة فيه، وكأنك تصعد إلى السماوات العليا، او كأنك تطير بلا أجنحة وتغتسل روحك بسيل منهمر من الطمأنينة.

يا للدهشة بعفوية شعور تجد نفسك تضع راحة يديك على الجدران المقدسة، وكأنك تضع يدك على قلب جريح لتضميده .

أسير الآن، في هذا الصباح المبهر، في البلدة القديمة وسوقها.. لا تتخيل رائحة المخبوزات التي تنبعث من الأفران الصباحية مع أصوات الأدعية، التي تخرج من أفواه المارة.

تذوقت الكعك المقدسي الساخن، والحلويات المقدسية، ليغمرني طعمها بذاكرة طعام ومكان خيالية!

هل تستمع معي إلى تلك الأصوات الممزوجة من كل شيء ؟! سوف أترك الأحرف تصلك تباعًا، وسأقطع حبل السطر في هذه اللحظة !!...