|
|
|
د. رفيق مصالحة: من يوميات طبيب في مخيمات اللاجئين في قطاع غزةالتاريخ : 2024-12-09 18:33:54 |(أيام الحصار)- 3 كان يوم خميس من شهر ادار من السنة الثامنة عشرة من المئة الواحدة والعشرين، ما ان دخلت بعثتنا "أطباء من اجل حقوق الانسان" مدينة غزه واقتربنا من مخيم الشاطئ على ساحل البحر، حتى بدأت تصل الى مسامعنا أصوات التكبير وتلاوة آيات من ذكر الحكيم تنبعث حزينة من مآذن المساجد الكثيرة في المدينة. وعند دخولنا الشارع المحاذي للبحر بدت امام اعيننا جموع غفيرة من المشيعين يحملون على اكتافهم ثلاثة نعوش تكسوها اعلام فلسطين، يحملها الشبان وهم يرفعون سواعدهم ويلوحون بقبضات ايديهم ويصرخون بأعلى صوتهم، يشتمون الظالم المجرم وينددون بالاحتلال والحصار الغاشم . من داخل بيوت مخيم الشاطئ كانت تسمع أصوات العويل وانات الألم تطلقها النساء الثكالى لتعتصر القلوب. عند وصولنا الفناء الخارجي لبنايه وزاره الصحة محطتنا الأولى صباح دلك اليوم الطبي التطوعي في القطاع، كان هناك جمهور من الصحفيين ومراسلي وكالات الانباء يستمعون الى نقيب الصيادين، رجل وقور شارف على الستين من عمره وقد شاب شعر ر سه وشعر لحيته، وبانت التجاعيد العميقة تخط جبهته ومن حول عينيه التي اغرورقت بالدموع، وقد اختنقت الكلمات في حنجرته وهو يقول، كانوا ثلاثة شبان في ربيع العمر وريعان الشباب اخوين وابن عمهم ، من ابرع الصيادين ومن انبلهم، كانت قلوبهم عامرة، يشفقون على الفقراء ، يقدمون لهم من بعض ما رزقهم الله من صيد دلك اليوم. في ساعات الفجر المبكرة من هدا اليوم الخميس، اغتالتهم ايدي الغدر والطغيان، قتلهم جنود حرس الشواطئ الإسرائيلي ، حيث كانوا في عرض البحر يبحثون عن رزقهم ورزق عائلاتهم. اغتالوهم بدم بارد، وفي الصباح وكما اعتدنا دائما ، صدر بيان عسكري باسم الناطق الرسمي للجيش ليدّعي بأن زورق أحد الصيادين عبر الحدود المائية التي تسمح بها السلطات الإسرائيلية مما يشكل خطرا على امن الدولة؟! ثم استرسل النقيب قائلا، مند بدأيه الحصار البحري على قطاع غزه قبل ثلاثة عشره عاما، سمحت لنا السلطات الإسرائيلية بان نصيد الأسماك داخل البحر حتى مسافه خمسه اميال فقط، لدا ومع مرور السنين لم يبق في هده المساحة من المياه أي اسماك تذكر، واصبح الصيادون يرمون شباكهم كل يوم عند ساعات الغروب، املين ان يكون صيدهم وافر وشباكهم مليئة، لكنهم عندما يجمعونها ساعات الفجر يجدونها دائما قد امتلأت بالحصى والوحل واعشاب البحر، وان حالف الحظ احدهم يجد بعض سمكات سلطان إبراهيم الصغيرة او بعض حبات الجمبري النحيلة. لدا بدا بعض الصيادين يضيق درعا واخدوا يقتربوا من الحدود المائية التي فرضها الحصار، علهم يرزقون ببعض الصيد. ولكن في أحيان كثيرة يرصدهم الجنود المتمترسون في زوارقهم الحربية المدججة، لينقضوا عليهم يطاردونهم بوابل من الرصاص ليصيبوا بعضهم دون أي رحمة. وختم كلامه قائلا بغضب: حصار، بطالة، فقر، جوع ومعاناة يعيشها الناس هنا كل يوم! بدأنا يوم التطوع الطبي ولا تزال احداث هدا الصباح المؤلمة تغمر مشاعرنا وتعتصر قلوبنا. انتقلنا الى عيادة كبيرة تتواجد في احدى احياء مدينه غزه الفقيرة، وقد اعدت خصيصا لاستقبالنا في هدا اليوم. اجتمع المرضى متزاحمين قباله الغرف التي علقت على أبوابها اليافطات وعليها اسم الطبيب وتخصصه . قد توافدوا من جميع احياء المدينة وبعضهم قدموا من المخيمات المجاورة يسعون باحثين عن علاج يشفي امراضهم ويخفف من آلامهم . كان يوم طويل مثقلا بالكثير من الحكايات الحزينة والجراح العميقة التي يخلفها كل يوم هدا الحصار الخانق الرابض على صدور البشر. وفي طريق عودتنا في اليوم التالي نحو معبر بيت حانون " معبر ايرز". انتابتني مشاعر مفعمة بخليط من الحزن والغضب وقله الحيلة. واحسست بأثقال وهموم لا تحتمل ، ولا يزال طيف تلك الأم الشابة وابنها المسكين لا يفارق مخيلتي، وهي تدخل الغرفة، تدفع ببطيء كرسي للمقعدين الدي اهترأت عجلاته وتمزق جلده، يجلس بداخله طفل صغير لا يتجاوز خمس سنوات من العمر، كان مشلول في القسم السفلي من جسده، لا يستطيع الوقوف على قدميه ، وقد اصيب من شظية قنبلة أطلقتها الطائرات المغيرة خلال الحروب المتكررة على غزه . كان يومها يلعب في ساحة منزله في المخيم برفقه أحد اولاد الجيران، اصابته الشظية في ظهره، كسرت العامود الفقري في وسط الظهر وهتكت بالنخاع الشوكي، وفي الحال اصابه شلل فوري في الاطراف السفلى. قالت الام بصوت متحشرج وقد خنقتها الدموع، انظر ما فعلوا بابني وحيدي اليتيم، "ما الذنب الذي اقترفه هذا الطفل في حياته القصيرة" كانت تتوسل كي تسمع اي كلمة تطمئنها، تعطيها أي بارقه بانه سياتي اليوم يستطيع فيه طفلها ان يقف على رجليه وان يسير على قدميه كباقي اترابه. كان صوتها الغاضب لا يزال يصرخ في ادناي "لماذا يحاصروننا، يجوعوننا ويقتلوننا، نحن نريد العيش بسلام، اريد ان يزول الحصار، وتفتح الحدود حتى أستطيع ان اعالج ولدي المصاب من جراء الحروب، ثم انحنت تقبّل ابنها المسكين القابع في كرسيه الابدي وقد انهمرت الدموع غزيرة من مقلتيها... د. رفيق مصالحة اخصائي امراض الدماغ والاعصاب عضو الهيئة الإدارية لجمعيه اطباء من اجل حقوق الانسان / 9.12.24
.
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |