|
|
|
عناق مواسي: النهوض من الرماد!التاريخ : 2024-12-17 19:23:21 |
ريح تلقحُ الارض وتبحث عن أرض خصبة تدسُ بها بذرة، عن أمطار رحيمة تمحو آثار الرماد من جذورها وتغلغل الخير. إنها اللحظة التي تفتح فيها ذاكرة الأمكنة أعينها المثقلة بالرماد الثقيل، شجرة تعرضت للنيران وتقاوم لتزهر لتسند نفسها، رافضة أن تسقطها الريح. فنحن، ما بعد كل حرب، نقف أمام مرايا أرواحنا مشوهين، نحمل جراحًا غائرة في أجسادنا وذاكرتنا، ولكننا، في ذات الوقت، نحمل في قلوبنا عزمًا غريبًا على الحياة، على البدء من جديد.. هذا هو أفق السلام بعد الحرب.. نتعلم أن نحول الذكريات من أسلحة ماضية إلى زهور سلام، ننزع منها الشوك، ونزرع فيها الأمل لأجل الأجيال القادمة. فهذا النسيان ليس هروبًا من الماضي بقدر ما هو تجسيدٌ لقرارٍ واعٍ بالتحرر. هو قبول بأن الحياة تستحق أن تُعاش بعيدًا عن ثقل الضغينة، عن ظلام الانتقام. لن ينمو جيل جديد ما لم نحرره من ماضٍ يكبل رؤوسهم وقلوبهم.. علينا أن نبني جسرًا فوق هاوية، جسرًا يمتد عبر القلوب المؤمنة بقدرة الإنسان على التغيير، القلوب التي ترفض الانغلاق على آلامها الخاصة وتختار بدلاً من ذلك أن تفتح نافذةً نحو عالم أكثر إشراقًا. نصوغ الحكايا ونعدل سيرة الأبطال ليشرق لهم الأمل مجددًا.. في كل طفل يولد بيننا بعد الحرب، هناك بذرة سلام. هؤلاء النشء هم عنوان البداية، الجيل الذي نحميه ونحتضنه ليكبر بمعزل عن دمار الماضي، ليحمل في عينيه البريق لا يشوبه الحقد.
هنا نتوقف، نأخذ نفساً عميقًا نغرس فيهم أن القوة الحقيقية ليست في حمل السلاح، بل في صنع مستقبلٍ يحمل مفردات الانتاج والوحدة، في احتواء الجراح بقدرة على التسامح، على أن نكون أوسع من آلامنا وأعمق من ذكرياتنا المؤلمة. السلام هو أن نعلمهم أن الجمال يمكن أن يزهر على أرضٍ شُوهت، أن الحب أقوى من كل ضغينة. الإنسان، رغم كل شيء، قادرٌ على إعادة تشكيل ذاته، على النهوض من رماد الحروب نحو سماءٍ مفتوحة، نحو نورٍ يولد كل يوم جديد. ** ** الوجع! الوجع لا يأتي صارخًا، بل يتمادى بهدوء مر كخيطٍ رفيع من حرير يلتف حول عنق الروح، يشدُّ في اللحظات التي تغافلنا فيها الحياة، يَعبرُ على شكل سكين مغروسة في الحلق، يغرس أسنانه في الأمل ويسلب منّا القدرة على النطق. نعيشُ الخرس الجمعي ونصير مومياءات متحركة! هي لحظات نشعر فيها بأن الكون بأكمله يصغر، ينكمش حتى يصبح أشبه بورقة منكمشة ضيقة غير مصقولة، بالكاد تتسع لأنفاسنا المتقطعة. نتنفسُ من خاصرة في قاع الجسد، وكل نفس نأخذه ثقيلًا، كأننا نستنشق شظايا زجاج متناثر. ويبدو كأن الوجع مائدة، تقطع بها فاكهة الحياة بسكين غير حادة تقطع اوصال المجتمع بأكمله فيتهاوى تحت وطأة خيباته وتكرار أحلامه المنكسرة. كأن الحلم بات جرمًا نرتكبه، والخوف أصبح الحقيقة الوحيدة التي نتشبث بها. نمضي بأقدامنا فوق أرض صلبة، لكننا نحمل في قلوبنا ايامًا هشة، نخشى أن ينكسر في لحظة ضعف، فينزف منا العمر، كلمةً تلو كلمة، همسًا تلو صرخة. حين تخفت الأصوات، يصبح الوجع أكبر منّا، يربط على أعناقنا، لكن نتعلم من جديد كيف نُسكت الألم، أن ندسّه في أعماق اجسادنا وارواحنا، نضيء كريات دمنا فلا تخبو، تطير ونمضي ببسمة تلمع بالكاد كأنها نجمة شاردة في ليل معتم، تخاف الانطفاء.
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |