توقفت أمام هذه الصورة الطّاغية بحضورها للدكتور سامي مرعي، هذا الأنموذج الفلسطيني الفذ الفريد لأحد أبرز رجالات التّربية والعلم والفكر الفلسطيني، وأحد المساهمين في النّهضة الثّقافيّة والعلميّة والأكاديميّة الفلسطينيّة في الدّاخل. هذا الرّجل الذي لم يرَ في التّعليم الجامعي هدفًا، بل وسيلة للتّغيير وتثوير التّفكير الواعي الجماعي والفرداني.

الحديث عنه وحوله ومعه يطول، ولكنّني أشعر بالقُصور والحسرة ومعايير من الغضب على نفسي على عدم إعطائه حقّه من التّمعن والتّعلّم والإسترشاد بفكره وطرحه وتوجّهاته السياسيّة والتّعليميّة والفلسفية الفلسطينية .

وعلى فكرة، أحبّ خالي سامي طبخات العلت (العلك)، وكان دائما يُردّد وعلى مدار العام وفي غير الموسم: "أخ على طبخة علت هسه."!

نُحاول استدرار تفاصيل حياة خالي سامي عبر أمي، فنستدرُّجُها على نحوٍ تطامعيٍّ مُستميت. ولكنّ أمّي مُصابةٌ الان بضمور التّعبير التّشاركي، وتنزلق بوتيرةٍ حادةٍ إلى التّقوقع على حكاياها وذكرياتها كما تتقوقع أمٌ دبّة على دياسمها أمام موجةِ بردٍ قارس. ويتطلّب منّا استلالُ الحديث منها الى جهودٍ جبّارة مُؤجّجة بالكر والفرّ الحثيث، وقلّما نغنم باليسير .فالتّقادم في العمر قد جمع مقادير من التّرفّع والاكتفاء، ووهبه لأمي على هيئةِ صمت وعدم رغبةٍ في الكثير، كإبداء الآراء وتبادلها والحاجة الى إثبات الحضور. حتّى في مقاماتِ النُّدرةِ التّي تحدّثنا أمّي فيها عن تفاصيل خالي، ألمح دومًا حنكتها تخبّئ تفاصيل التّفاصيل عنه لذاتها ولنفسها .

الشعور الذّاتي الحالي داخلي الآن هو الحاجة المّاسة نحو إسترداد العافية العقلية واستعادة الرّغبات الحقيقيّة والعميقة نحو هذا الإقتراب، والسّكن في عوالم هذه الذّوات التي غادرت ولكنّها لم تغادر!

حاليّا، يُعينُني تفرّس هذه الصّورة، حتّى أننّي في يوم التّعزيل هذا، أتحفّظُ ولا أودّ مسح الغبار عنها...!!