ان الجَوْل التراكميّ والتفاعليّ والتناوبيّ بين الذاكرة والواقعية مآله مواقفنا وتوجهاتنا وقيمنا ومبادئنا وانتماءاتنا وهويتنا الشخصية والمجتمعية. ولا بد هنا من الإشارة الى ان التفاعل التراكمي بين الفرد ومحيطه منذ الولادة وصولا لمراحل عمرية مختلفة يساهم في بلورة سياق متبادل في بناء وتشكيل الفكر وتجسيده في أحياز مجتمعية لتحوّل هذا الفكر الى حضارة. ولا شك ان مجتمعاتنا في مخاض حالة ثورية صارخة من الصراع بين التسارع الهائل من التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وبين الهوية الفردانية والمجتمعية.

هذا الصراع الذي قد يتمثل بين التفاوت والاختلافات في الوعي والذاكرة الفكرية والضمنية بين الأجيال من جهة، ومن جهة أخرى الديناميكية المجتمعية المتأثرة من عوامل سيكولوجية-اجتماعية المتمثلة في المناخ الجماعي، المشاركة والتفاعل، الإجراءات الضابطة، التماسك والتلاحم، التجانس او عدمه، مستوى المسؤولية الفردية والجماعية والتقويم الجمعي. وعوامل أخرى سياسية داخلية وخارجية. وبالتأكيد فان هناك حالات استثنائية تجعل الصورة أكثر تعقيدا بمجتمعاتنا العربية عامة والحالة الفلسطينية خاصة.

وإذا ما عدنا الى التحولات الفكرية لبناء المجتمعات وتجسيدها لحضارة نحتاج الى نتاجات فكرية تحاكي الواقع وتتفاعل معه وتتبلور في منتجات عينية ومعنوية. العينية تتجسد في صروح شكلية لوجه المكان، اما المعنوية فهي موروث مستساغ ومتجدد ومحتن من الثقافة والادب والفنون والعلوم، من خلال تطويع الموارد المستحدثة ليتناغمان مع النتاج الفكري.

وفي خضم هذه الصورة المركبة تحديات وصعوبات تلاطم واقعنا، وفي كثير من الأحيان أعوزنا الحيوي هو قبطان او فرسان لاستعادة التوازن الاجتماعي واسترجاع اوتاد الفكر الحضاري، فالسفينة في اوج العاصفة قد تواجه خطر الغرق بكل اطيافها لتندثر نحو القاع.