www.almasar.co.il
 
 

د. محمد حسام عدنان عبد الهادي محاميد: اورام الرأس والرقبة.. اعرضها وتشخيصها وطرق علاجها

د. محمد حسام عدنان عبد الهادي محاميد: اورام الرأس والرقبة.. اعرضها...

باسم محاميد: في ذكرى رحيل طيّب الذكر المربي الفاضل محمد طه اغبارية

مضى 15 عامًا ولا زالت ذكراك ترافقني يوميًا، يا رفيق الدرب الذي صنعت معه...

عمار محاميد: الى اللقاء صديقي.. في رثاء اياد فرح جبارين!

هي الكلمات قد اندحرت في مأقيها فعذرا لك ايها الدمع ان هبطت فإرتوى منك...

لينا ابو مخ/ الزواج المبكر بين القانون والمجتمع

اعتبرت المرأة في طور أول من تاريخها، أما في المقام الاول، اي تلك التي...

منحة 23 ألف شيقل عند بلوغ سن 21 هدية من الدولة

علم مراسل موقع وصحيفة "المسار" انه بتداء من شهر كانون الثاني 2017 ستقوم...

عطر 2020 من Montblanc للرجال

تقدم دار العطور الفرنسية Montblanc عطر Legend Eau de Parfum، وهو إصدار أقوى وأكثر...
  هل تعتقد ان الحكومة الجديدة ستساعد في الحد من جرائم العنف في المجتمع العربي؟

نعم

لا

لا رأي لي

ام الفحم 22-32
الناصرة 31-20
بئر السبع 33-21
رامالله 32-22
عكا 29-23
يافا تل ابيب 29-24
القدس 32-18
حيفا 31-23

هناء محاميد: في بطن الحوت: هل ابتلعتنا الصدمة؟

التاريخ : 2023-12-28 00:29:12 |



 

في الثالث عشر من تشرين الثاني- نوفمبر، بعد نحو خمسة أسابيع من اندلاع الحرب أُصدر قرار الحظر الإسرائيلي ضد قناة "الميادين" لمنعها من البثّ خلال الحرب، ثمّ بعد شهر تم تمديد القرار ثلاثين يومًا إضافيًا. شعرت حينها أنني أُقتَلع عنوة من بيتي المهني طوال اثني عشر عامًا، وأُزجُّ في حبس منزليّ تحكمه أنظمة الطوارئ العسكريّة والسياسيّة وأسلحة كاتم الصوت.
الصحافة بالنسبة إليّ واجب محتوم مقدّس أسعى فيه لأن أؤدي دوري في هذا العالم، هي ظلّي الذي صادره كابينيت الحرب الإسرائيلي، فهل يعيش المرء بلا ظلّه؟
ومتى؟ في أيّ توقيت يحدث ذلك؟! الان بالتحديد في وقت العمل وتأدية الواجب! بل أقلّ الواجب تجاه الحقيقة والسرديّة وتجاه القضيّة الإنسانيّة العادلة، قضيّة شعبي الفلسطينيّ.
خلال الأسابيع السابقة لقرار الحظر، بينما كنت وزملائي الصحافيين نختصر الكلام والهمس بلغتنا العربيّة وسط بيئة عدوانيّة موبوءة بقرار سياسي عنصري وغرائزي للانتقام، كنت، خلال تغطيتي المباشرة من الحدود مع قطاع غزّة، أراقب الغارات الاسرائيلية البعيدة. ألحظ أحيانا بريق الانفجار في لحظته الأولى ثم يجلجل الصدى من بعيد، وبعد ذلك تتصاعد أدخنة عملاقة من اللهب، الذي لم نكن نراه في أحشاء المدينة إلّا عبر الشاشات. وبين الغارة والغارة كان يدوّي صوت المدفعية الحادّ.
في البدء كان بالإمكان رؤية أحد جوامع بيت حانون بوضوح، ثم بات هيكله يتضاءل مع ما حوله من منازل، حتى ظلّت مئذنته المهشّمة الآيلة إلى السقوط آخر ما اختزنته عيناي من جانب تلك التلّة، من تلّة "سديروت" حيث كنت أقف هناك للتغطية، أرى غزّة من بعيد، وأقول في سرّي: ترى أين هوت القذيفة هذه المرّة؟ أجدها تسقط في قلبي. فأنا أعلم أنّها في كلّ مرّة تسحق طفلًا أو عائلة أو حيًّا بأكمله.
أفلتّ أخيرًا من عبء المراقبة والمتابعة والمشاهدة لسماء داكنة وانفجارات بعيدة لا نسمع أنين ضحاياها ولا نحيب من
انهارت على قلوبهم الدنيا، ولا نستطيع وقفها. فالصحافة كذلك ثقيلة قاسية ومنهِكة، تضبط فيك إيقاع انفعالاتك البشريّة، وتقحمك في عبء نقل الخبر بمسؤوليّة.. وجفاف وجفاء. لربّما خلّصني الحظر من منزلة "الحياد" الموضوعيّ الصحافي،
وأعادني الى المنزل حيث صرت كأي أمّ تنشطر خلاياها مع كل أمّ في غزّة تمسّد وجنتي طفلتها، وتطبع عليهما قبلة أخيرة، وتشدّ الحضن الأبدي إلى أضلاعها، أو تصرخ من قحف روحها وسط القيامة التي تمتحن أبناء غزّة في هذه الحياة الدّنيا.. يا لها من دنيا حقًّا، فأيّ اختبار هذا يا ألله!
عدت لأكون طفلة في السابعة تدور وسط زحام الموت لتتفقّد والديها، هل غادرهما نبض الحياة هما ايضًا؟
في الماضي كنت أخال عبارة "شُطبوا من السجّل المدني" تعبيرا أدبيّا لغرض المبالغة فحسب، وإذ بها حقيقة مرئيّة قاتلة.
ها أنا وحدي الآن، لست بحاجة لأن أشدّ أعصابي ولا أن أجمع المعلومات الأخيرة والتصريحات الدقيقة لأظهر بها أمام الشاشة متماسكةً بلا قلب ولا حزن ولا غضب. أنا وحدي الآن ويمكنني أن أبكي، أن أنوح بلا ضوابط ولا محاسبة ولا حدود، وأن أشعر بالقهر وبالغثيان من عالم متعالٍ ومتعجرف وعنصريّ ومجرم وقبيح ووسخ، وأن أشعر أيضًا بالخزيّ، لأنّي، ولأنّنا لا نفعل شيئا حقيقيًّا لوقف هذه الإبادة، على رغم معرفتنا نحن بالذات، الفلسطينيين في أراضي "الثمانية والأربعين" بأن الساطور يقتطع وسيقتطع من لحمنا كذلك، حينها سنقول " أُكلنا يوم أكل الثور الأبيض"، يا له من عار.
شيء ما في هذا النصّ يذكّرني بنصّ كتبته في عدوان العام ٢٠١٤، وقتها كنت أقوم بالتغطية الإخبارية من منطقة تقع بين "كفار عزّا" و "ناحل عوز"، وكانت غزّة من ذلك الموقع تبدو قريبة نسبيًّا، لكنها ايضًا لطالما كانت بعيدة، نسبيًّا كذلك!
" من هنا أرى غزّة" كان عنوان ذلك النصّ حيث كنت أرى وأسمع الغارات الإسرائيلية التي كانت تحصد الأرواح، أسمع عنفها من " الخارج" وإذ بمراسلنا من هناك من "الداخل"، يقول: أستشهد كذا وكذا وكذا من الأطفال والنساء والشيوخ...
لكن حينها وخلال أيّ عدوان، كنّا نمارس فعلًا أساسيا وبديهيا بالتعبير عن أصلنا، عن كوننا أبناء لهذا الشعب الذي يتعرّض للمجزرة، نخرج إلى الشارع ونقول كفى!
إنه اليوم التاسع والسبعون للحرب، هذه الحرب، يتفوّق فيها أهل غزّة بالموت أيضًا على نكبتنا، وقد بلغ عدد الشهداء بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، أكثر من عشرين ألفًا. نعرف، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أسماءهم ووجوههم وقصص أحبّتهم المفجوعين. ونعرف كيف ولماذا وأين ومتى قُصفوا.. نعرف قطع الحلوى العالقة في كفوفهم الصغيرة الباردة، وألوان ملابسهم المحترقة، وشكل الهوّة السحيقة التي خلّفها فراغهم.
لكنّنا لا نعرف أين اختفى صوتنا؟!
منذ رحلت أمّي لم أعد أرى العالم بقلب نظيف واسع هادئ وصاف مثل ذي قبل، فكيف سيرونه هم؟ وماذا تبقّى منه لأهل غزّة؟!
لم أزر غزّةَ قطّ، إنّما قبل ربع قرن تقريبا، في زمن "السلام" المزعوم أو الموهوم، زارها والداي وأحضرا لي منها فراشة فضيّة تستريح في وسطها ثلاث خرزات زرق، كلون بحرها، ما زلنا نحتفظ بالفراشة الغزّيّة.
بعد عشرة أيام من بدء الحرب، وبهدف تسجيل رسالة متلفزة موجّهة إلى غزّة التي تتعرّض للمحو، كتبت رديف هذه الكلمات عن علاقتي الغريبة بها، بل بالأحرى علاقتنا كفلسطينيين نعيش في الوطن ونحرم من زيارتها، فننسج عنها قصصًا لا تشبع المخيّلة عن مدارس ومستشفيات وأبراج تنفخ فيها الروح دومًا بعد الاحتضار، هل غزّة أسطورة إذاً!
أردت تسجيل الرسالة وفي خلفيّتي شجيرات صبّار كانت تستوقف فيّ ذاكرة النكبة كل يوم وأنا في طريقي الى التغطية من شمالي القطاع. عند التصوير قرب عسقلان، باغتتنا صافرات الإنذار أوّل مرة. وبعدها هطلت أمطار تشرين الأوّل - أكتوبر بغزارة، ثم غابت شمس ذلك النهار، غاب نهار آخر.
بقيت الورقة في جيبي لليوم التالي من العمل، أخرجتها في يافا، وكنت قد حسمت قراري بعد حملات وملاحقات التحريض والترهيب ونزع الشرعيّة عن أي موقف انساني او سياسي يعارض الحرب.. قرّرت ألّا أسجّل الرسالة. أقنعت نفسي بأن رسالتي هي تغطيتي الإخبارية، وعليّ ضمن حرب الإعلام الطاحنة الاكتفاء بأهميّة نقل "الواقع كما هو" للمشاهد العربيّ قبل الغربيّ، وأن أختصر أي ذريعة إضافية لملاحقتي وملاحقة عائلتي ضمن جنون الانتقام الدموي وصيد الساحرات الطاغي.
مزّقت الورقة، بل فتفتّها إربًا ولم أصدّق نفسي عندما قررت أنّي لن اخاطر برميها في سلّة المهملات حيث كنت أقف في مقابل السرايا خلف جامع البحر الذي شيّد قبل أكثر من ثلاثمئة عام، فالمكان هنا مكتظّ بكاميرات التسجيل والمراقبة، وتكفي كلمة غزّة للإدانة في محاكم باتت لا تحتكم إلّا لقانون الاستعلائيّة القوميّة والكراهية والدمغ المطّاط بما يطلقون عليه "الإرهاب". لم اصدّق أنني اختُرقت، على رغم قوّتي وقناعاتي الراسخة! شيء ما في داخلي قد هزّه الخوف.
أعدت القصاصات الى جيبي، وفي طريق عودتي منتصف الليل، وسط شارع سريع لم تكن فيه مركبة واحدة، فتحت شبّاك سيارتي ونثرت في الفضاء كلماتي البسيطة البريئة عن غزّة التي في خاطري. كانت تلك ليلة مجزرة المستشفى المعمداني، في الليلة التي لم ينطق بها أحد هنا، ولا في عالم الغرب الديموقراطي الحضاريّ النيّر الخيّر، لأنّ في كل كلمة ذريعة للتّجريم والإدانة، فتحوّلت منصّاتنا الالكترونية الى صفحات سوداء، كأننا في ما لا نقوله، نقول كلّ شيء!
أخبرتني إحدى الصديقات التي لها باع طويل في النشاط السياسيّ، بأنّها كانت تردّد أغنية ما قديمة داخل سيارتها، وفجأة صمتت، رغم يقينها بأنها لوحدها داخل السيارة. أمّا صديق آخر فأخبرني أنه خلال أيام الحرب الأولى تفطّن الى مجموعاته الأرشيفية التاريخية، فقام بإخفائها تحسّبا من "كبسة" عسكرية تودي الى اتلاف مجموعاته أو مصادرتها أو اعتقاله.
سريعا خلال الأيام الأولى، فهم الجميع أن "شرطة الهواتف والأفكار" باتت سخيفة الى حدّ خطير، فسارعت "جماهيرنا" إلى محو حساباتها الإلكترونية وتنظيفها من الماضي البعيد قبل القريب، وسارعت إلى الصمت.
صديقة أخرى اعتقل زوجها قبل شهرين بسبب "شبه" هتاف في شبه تظاهرة وسط إحدى البلدات العربية. لم تكتف سلطات القمع وتكميم الأفواه بذلك، بل يبدو أنها أرسلت عصابات الإجرام من الطابور الخامس من أجل إطلاق النار على منزل العائلة، بهدف ترهيبها أكثر.
أنا أيضًا مسّني هوس أو وسواس ما، تذكّرت ما حكاه لي العشرات ولربما المئات من ضيوف قصصي الصحافية، حول اقتحامات العسكر التخريبية للبيوت في ظلمة الليل. أردت، تحت وطأة المسؤولية والأمومة لطفلتين، تخفيف "الأضرار" احترازيا كما يقال، فقمت بحملة توضيب خاصّة لملفّات قديمة، بعضها من الجامعة والمدرسة، ولبعض الأشرطة الموسيقية التي قد تتسبّب بالإرباك وبسوء الفهم والتأويل الزائد، كأشرطة الشيخ إمام ومغنّاة سرحان والماسورة لفرقة العاشقين مثلا. وتخلّصت من دبّوس دائريّ صغير وجدته صدفةً، وكنت على ما يبدو قد احتفظت به من إحدى التظاهرات المناهضة لعدوان ٢٠٠٨-٢٠٠٩، وقد طُبعت عليه صورة لامرأة فلسطينية مذيّلة بعبارة " يا غزّة لا تهتزّي".
وخبّأت بعناية علم فلسطين، غير المحظور بعد!
في شتاء كهذا، قبل خمسة عشر عاما، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد اجتاحت حياتنا ووعينا، وكذلك لم تكن إسرائيل قد وصلت الى هذا المستوى المكشوف من الفاشيّة، هل ذلك ما كان يدفع بنا الى الشارع لنتظاهر ضدّ الحرب؟ أم أنّ معطيات الحاضر ومستجدّاته السيّاسية وحجم الإبادة الجماعية، اليوم بالذات، عليها بالدفع بنا الى الشارع بقوّة أكبر؟
أين اختفى صوتنا؟ هل بلعتنا الصدمة؟
سألت أحد أقاربي من جيل الستينيات، والذي باغته السابع من أكتوبر وهو خارج البلاد، حول ما تبادر إلى ذهنه عند معرفته بما يجري، فقال: قفزت في رأسي كلمة واحدة "نكبة". أردف أنّه خشي من ألا يتمكّن أبدًا من العودة إلى البلاد.
هذا هو هاجسنا جميعا، النكبة هي صدمتنا المتناقلة عبر الأجيال. ونحن "البقيّة الباقية" في الوطن اجترحنا معادلات البقاء بهويّتنا الوطنية المعلنة رغمًا عن أنف إسرائيل .لكن هل يشفع الماضي لأحد؟ وكيف ستكون حصّتنا اليوم، من التاريخ؟
الصدمة قد ابتلعتنا فعلا. التهديد الفعليّ المباشر الحادّ على شرعية وجودنا وبقائنا ونضالنا، في ظلّ حرب استنهضت شرور العالم وأشراره، قابلناه بداية بجمود وصمت قسريّ فرضتهما خطورة المرحلة والمسؤوليّة، كي لا نفرّط بأنفسنا أمام وحش كاسر مصاب. لكن رغم المحاولات الضئيلة لتبديد حالة الجمود هذه فيما بعد، يبدو أن الصمت المفروض بالقوة قد استحال الى حالة طوعيّة.
لماذا، بعد كل هذا الوقت الطويل المرعب من حصاد الفلسطينيين في غزّة، لم تتحوّل "جماهيرنا" بإيعازٍ واضح موجّه مدروس من قبل مؤسّساتنا السياسية والمدنيّة، الى مرحلة المواجهة!؟ مواجهة الحرب والاحتلال والفاشيّة؟! مواجهة فعليّة مبدئيّة واجتماعية واقتصاديّة ونضاليّة، المواجهة رغم دفع الأثمان، ورغم معرفتنا المسبقة أنّنا كما كنّا دائمًا، وحدنا، في بطن الحوت.
نعم، لقد باغتتنا الحرب ونحن مثخنون من الجريمة الممنهجّة المدبّرة التي تفتك بمجتمعنا، باغتتنا الحرب ونحن مثقلون بانقسامات قياديّة وتمثيليّة حادّة، ونقاشات حول "المواطنة" والتأثير في السياسة الإسرائيلية، وموازين القوى الداخلية، وعلاقتنا مع الاحتلال والهيمنة الاستعمارية وسياسات الأبرتهايد على كامل التراب، باغتتنا ونحن متخلّفون عن وضع إجابات سياسية محدّثة لممارسات فرض الأمر الواقع من قبل حكومات الاحتلال في القدس والضفة، وحتّى علينا مباشرة. باغتتنا الحرب ونحن غير جاهزين للمواجهة.
فقدنا التكتيك وربما الاستراتيجية أيضًا، لكن ما أثق به أن بوصلة الثوابت لدى معظمنا ما زالت جليّة، فهل هناك من سيقود جماهير شعبنا الباقية في المثلّث والجليل والنقب نحو جهوزيّتها للمرحلة المقبلة، مهما اشتدّت وقست؟
يستغرقني التفكير في مشهد الجنود العائدين من الحرب الى الحياة "المدنيّة". سنلتقيهم بأقنعتهم الجديدة في الشارع والبقالة والمستشفى والجامعة، وعلى شاطئ البحر في الصيف المقبل.
الجنود القدامى، آباء هؤلاء وأجدادهم، كنّا نلتقيهم كذلك في معرض الحياة الساخر. ومن السخرية أن يندم المجرم على جريمته، وأن نعتقد أنّه، بفعل التقادم، قد ينسى كيف تُرتكب ثانيةً، وأنّه قد يتوب عنها ويصحو ضميره ويؤنّبه عندما تحوم في أدراج انتصاراته أشباح دير ياسين، والطّنطورة وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وبيروت والقدس وأطفال الحجارة وقانا وَ..وَ..وَ.. ويدور دولاب الرحى، مرّة تلو الأخرى، يسحق أطفال غزّة. من السخريّة أن نصدّق توبة سلالة من الجنود تغسل أياديها بدمائنا أمام العالم ولا تستحي.
من السخريّة أن يكون هذا هنداما "إعلاميّا"، الذي يعلن على الملأ أنّه مع قتل مئة ألف غزيّ بضربة واحدة منذ أوّل الحرب، هذا "الخرقة الصحافية" الإسرائيلية، تسفيكا يحزكيلي، كان من أوّل من شنّ الحرب عليّ وعلى قناة "الميادين"، في اليوم الثالث للحرب. من الصعوبة التصديق أن يتباهى "صحافيّ" بتدوين اسم برنامجه على قذيفة تجهَّز للقتل والتدمير. يصعب التصديق أن برنامج حاييم إتغار، الذي نصب لي كمينًا، وراح يقوم بمحاكمة مصوّرة ميدانية لعملي في "الميادين" وسط الشارع بتهمة ما سمّاه "دعم الإرهاب"، يُسمّى برنامجه "يتساءتا تصديق"، أي بترجمة غير منصفة لتناقض الافتراء مع الحقيقة، على النحو الذي يمثّله اتغار، يعني اسم برنامجه "خرجت صدّيقًا".
ومن السخريّة أيضًا أن أكتب برفاهيّة من "تجاوز" الصدمة هنا، في حين ما زال الموت ممدّدا هناك، في غزّة.
قد نتساءل ونشكّك في مدى قوّتنا: هل سنؤثّر، وهل سنغيّر، وهل يمكن أن نحاسِب؟
على الأقلّ لن نكون أولئك الفلسطينيين الذين انسلخنا من جلدنا، وعلى الأقلّ سنسبّب للطّغاة بعض الصداع. (عن: الاتحاد)

 

 

** هناء محاميد صحافيّة فلسطينيّة، مراسلة قناة "الميادين" في القدس.
٢٤.١٢.٢٣

 

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0

اضافة تعليق

الاسم الشخصي *

 

المنطقة / البلدة

البريد الالكتروني

 

عنوان التعليق *

 

التعليق *

 


Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0
الصفحة الاولى | الاعلان في الموقع | اتصلوا بنا |                                                                                                                                                                                               Powered By ARASTAR