يتميز المربي د. محمد حبيب الله بعصاميتهِ وبملاحقته للأمور، وهو في هذه الأيام يحاول تجميع كتاباته التربوية والثقافية المختلفة في كُتُبٍ لئلا تضيع ومن أجل أن تستفيد الأجيال مما قرأه وكتبه واستفاد منه.

وهو بهذه العصامية والمثابرة يقدم للأجيال عصارة جهده وثقافته، ومحاولة التقديم هذه للكتاب الجديد عن المربي العربي الفلسطيني خليل السكاكيني ، الذي أعتز أن بلدي وربما بلدان أخرى كرَّمته بتسمية أحد شوارعها على اسمه ، ستلقي الضوء ربما من زوايا أخرى عن خليل السكاكيني، الذي أعجب به كاتبنا الدكتور محمد حبيب الله أيما إعجاب، وقد حدثني أكثر من مرة ، عن إعجابه بهذا المربي الفلسطيني الذي سبق عصره، في نظرياته التربويّة والانسانيّة، وكتب كتابا يحمل النظرية الإنسانية للسكاكيني بعنوان" إنسان إن شاء الله ، صدر عن دار الأماني للنشر والتوزيع في عرعرة.

وأعتقد جازما أنَّ كاتبنا ليس الوحيد الذي أعجب بهذا المربي، وكتب عنه الكاتب عودة بشارات مقالا باللغة العبرية في جريدة "هآرتس"، في ملحق الكتب يوم 10 أيار 2019م بعنوان" المربي الفلسطيني الذي سبق أوروبّا "، وكذلك كتب الباحث

د. كمال موعد بعنوان" إنسان إن شاء الله سيرة حياة تربوية لخليل السكاكيني 1878- 1953م) ، والذي صدر في سديه بوكير بالتعاون مع الأكاديمية للغة العربية . والكتاب يتحدث عن فكره التربوي وعن حياته وطليعته في التربية الإنسانية (2).

وفي كتابه رُوّاد التَّنوير في فلسطين للكاتب والباحث الفلسطيني سعيد مضية، يعتبر خليل السكاكيني أحد رواد التنوير في فلسطين، إلى جانب محمد روحي الخالدي وبندلي الجوزي وهو صديق خليل السكاكيني أيضا ونجيب نصار وخليل بيدس ونجيب عازوري وتوفيق كنعان واسعاف النشاشيبي وكلثوم عودة.

ويعتبر سعيد مضية أن خليل السكاكيني " تميَّز بضميرٍ نقيٍّ عانق إنسانية البشر بغير تميز ديني او عرقي. صفاؤه البلوري وضميره الحاضر وروحه الإنسانية أطلقت العنان لتأملات مجنحة طارت به إلى مواقف ريادية في أكثر من مجال. رأى الانتداب البريطاني أسوأ من الاستبداد العثماني، والمدرسة الوطنيّة أفضل من المدرسة التبشيرية التي لا تعرفُ أوضاعنا ولا تشعُرُ بحاجاتنا، وأوصلته ضرورة الوحدة الوطنيّة إلى ضرورة الوحدة العربية، وانتقل التعليم معه من غاية التنوير إلى هدف التحرر الإنساني. بلغ به الطهر والتجرد أن رفض، وهو في أزمة مالية، عرضا مشبوها للكتابة في صحيفة مقابل ستين جنيه ذهب في الشَّهر. قوة طبعه وسمو اخلاقه تركت لدى من عرفه أثرا أقوى من كتبه. جمع بين قوة الروح وطهارة القلب، وعاش بانسجام تام بين مثُلِهِ ومبادِئِهِ. كان أجزلَ مجايليه إسهاما في بلورة الهويّةِ الفلسطينيّةِ، وأوقعهم أثرا " (2).

ويأتي الدكتور محمد حبيب الله ليضيف ولييسر لقرائنا في هذه الأيام التي يحاول البعض أن يستخف بعقولنا وكأنه هو صاحب النظريّات الإنسانية، وهو السَّباق للحضارة، وأن الآخر جاهل تابع للعصور الغابرة والجاهلة تربويا واقتصاديا وإنسانيا، لقول لهذا البعض الجاهل بحضارتنا وعلومنا التي أضافت للبشرية في الأزمان الغابرة وتضيف هذه الأيام رغم الأوضاع الصعبة، ولأن د. محمد حبيب الله رجل تربية، فقد حاول تجسيد روح وفعل السكاكيني في كتابه حتّى من خلال تصوير مغلفات كتبه، وخاصة كتاب ما كنّا نسميه " راس روس" أي كتاب الجديد لتعليم اللغة العربية بأجزائه الأربعة.

كتاب جدير بالقراءة والمراجعة، ولا ندّعي له الكمال، بل لبنة من لبنات التعرف على أدب ونظريّة السكاكيني التربويّة، وقد سبق عصره في إعداد المرشد للمعلم الذي يصدر اليوم مع كل كتاب تدريسي اليوم، وكذلك نظرية فهم المقروء ومستوياتهِ ومهاراتهِ، هذا المربي الذي نحبه فعلا ونتمنى أن تنحو التربية في العالم على نحو نظريّته التربوية.

ولصديقي وزميلي في عضويّة هيئة تحرير مجلة الإصلاح الثقافية د. محمد حبيب الله كل التقدير، وكل التمنيات بالاستمرار بالعطاء والصحة والسعادة الدائمة.

** إشارات:

البروفسور يوفال درور، جريدة "هآرتس" العبرية ص11، رسائل القراء، 27-08-203م.

سعيد مضيّة (2016م)، رُوّاد التَّنوير في فلسطين، إصدار وزارة الثقافة الفلسطينية - البيرة - فلسطين، ص125.

** مع الاحترام

مفيد صيداوي

رئيس تحرير مجلة الإصلاح الثقافية.

كانون الثّاني 2024م