شاكر فريد حسن/ في ذكرى الرحيل: نجيب سرور الشاعر "المجنون" تمرداً..!
التاريخ : 2012-11-17 10:04:13 |
نجيب سرور الكاتب والشاعر المصري الفقير المتسول, الذي لم يساوم على قناعاته، فاختار درب الفقر والصعلكة "حباً وطواعية". نجيب الفنان العاصف, الذي لم يتحمل مأساة السقوط وقسوة الخديعة والتفتت، والإنسان الحر الصادق الواعي النقي الذي طورد واضطهد واتهم بالجنون تمرداً وبالجنون شعراً ومسرحاً، وزرعوا الجوع في معدته والأفلاس في جيبه والفقر في حقيبته..!
عاش نجيب سرور عذاباً لم يتوقف, ورحل عن الدنيا قبل 34عاماً، بعد أن ساهم في اثراء الحركة الأدبية والمشهد الثقافي والأدبي المصري والعربي بالعديد من الابداعات والمجاميع الشعرية والمسرحية, التي تظهره كفنان جذري في مواقفه ورؤاه. وما أندر هذا النوع من المبدعين في واقعنا الثقافي العربي الراكد!
نجيب سرور رفض أن يؤطر فنه يوماً في خدمة المؤسسة والسلطان, مهما كان عنفه وضراوته وحدته، ولم يكن عضواً في أي شلة أو حزب أو قبيلة، وانما كان خارج التقسيمات, وحرص أن يكون مختلفاً وسط هذا الزمن الرديء العاهر.
كما رفض مسايرة الرموز الاجتماعية والثقافية الزائفة والمزيفة, التي سادت زمانه، وكانت هوة عميقة بينه وبين الواقع الذي عاش في جنباته، فلم يتمكن من التكيف والتصالح مع هذا الواقع وتجاوز الهوة أو تبريرها- كما يفعل غيره من الشعراء ومرتزقة الكلمة، فاشتدت أزمته النفسية وتفاقمت بعد اصراره على الاحتفاظ بشرفه وكرامته وأصالته ونقاوته، كفنان جذري وثوري أصيل وحقيقي ونزق ومتمرد, ولم يتمكن من تجاوز رموز المرحلة.
وبالتالي سرور وصل إلى قناعة بضرورة انغلاق لغته الرمزية الخاصة, فاتهم بـ "الجنون", وعومل على انه بالفعل أصيب بالجنون, وادخل إلى مستشفى الأمراض العقلية..!
ومن نافلة القول في النهاية، إن نجيب سرور كان شاعرا مقهورا ومضطهدا, عانى الاغتراب والفقر في حياته. وجريمته انه شرع في الابحار الى نهايات امكانيات الانسان في مجتمع تقليدي ونظام قمعي واستبدادي, يغتال الحرية, ويصادر الكلمة, ولا يسمح بتحقيق ضروريات الإنسان.
وهذا الإبحار جعله يعيش قلقاً دائماً, فتحرك بعنف حتى انهار، لأنه لم يحفظ قواعد اللعبة وضرورات التكتيك, وبقي متمسكاً بالإستراتيجية.
فله عهد الكلمة الشريفة النظيفة المؤمنة والملتزمة بالانسان وقضايه وحريته..!