|
|
|
الكاتب والإعلامي نادر ابو تامر: قراءة في نصوص محمد بكرية.. أوركسترا الحياة أقوى من فحيح المدافعالتاريخ : 2016-12-21 17:42:48 |ظننت أنّ صديقي محمد بكريّة قد تخطّى مرحلة الطفولة، لكنّني وجدته أكثر الرجال طفولة في براءته وخشوعه المرهف نحو الأمل، في صلاته إلى السماء بأن تترفّق بالإنسان. قد لا نتذكّر مَن كان ديفيد كاميرون أو تيريزا ميي، لكنّنا لن ننسى شكسبير. وقد لا نتذكّر عبد السلام عارف، لكنّنا سنذكر أبو الطيّب المتنبّي، وربّما لا نعرف من كان وزير الداخليّة الفلسطينيّ، لكن محمود درويش باقٍ معنا أبد الدهر. من هنا تأتي أهمّيّة مثل هذا الحدث الذي أشكر القائمين على تنظيمه، وإطلاقه في فضاء شحيح المعارف كثير المعارف. العبارات مفتوحة على مصراعيها، وكأنّك تدخل في كلّ مرة من باب دوّار من تشبيهات وتنبيهات تشفطك إلى داخل النصّ من جديد، إلى مُجمّع من تلاقحات مُبْهِرَة ومُبَهَّرَة بتوابلَ، تضفي على طبخة الإبداع مدى لا يتوقف من المذاقات والطعمات والتطعيمات والتطميعات بالمزيد والمزيد بأنّ القادمَ أجمل. عندما تتسلّق تضاريس النصوص تنهال التداعيات من مرتفعات الكلام الشاهقة، وتتدلّى شلّالًا من عبير ينزلق على صخور هاوية الوجع، نحو قاع منحدر من الفكر العميق العميق. يُزاوج الشاعر بين طبيعة الله وطبائع الانسان، فيمتشق من خاصرة الوادي ضمّة من الرموز الثقافيّة المستفيضة، تلقم ثقافتنا كغلاية من القهوة التي تغازل نار الفحم بتوظيفات غير معهودة. عند هذا الشاعر أنت لا تتنقل بين كلمات، بل بين محطّات تاريخيّة ورموز ثقافيّة، بين حِكم ووقفات من الأمل والتألّم، وهو يستحضر من رحيق المسافات عطرًا للوجع. يدقّ بكريّة أوتار خيامه في كلّ مكان، إنسانيٌّ هو في مفاهيمِهِ العابرة للتأطير والرامية للتأثير، يفتحها للضيوف كخيمة إبراهيم الخليل فوق الجبل مفتوحة من كلّ الجهات. فيها الفرات والعراق وإبراهيم وإسماعيل وهاجر، وموسى كليم الله والآشوريون وكافور وأبو الطيّب وشكسبير الذين يتهادون في قوافل الحجيج، صوب أفق إنسانيّ راقٍ ورائق وفائق ولائق. يُوحّد الشاعر الديانات من أقصاها إلى كنائسها، فيجعلها مئذنة تطلق حنجرة الإمام، لتتمازج مع رنّات الأجراس المتدفّقة في المدى. لا يتوانى الكتاب عن خلخلة التوازنات، فتشرق من الغرب شمسُه، وتنكسر أشعّتها في الجنوب، وكي تبحر فيه أنت بحاجة الى مجاذيف من إحساس، وقارب من ثقافة لا تتناهى، إلى ويكيبيديا وموسوعة معارف، لكن ورغم ذلك فهو شفاف، مرهف، جميل، إنسانيّ، طيّب، خاشع. يُموسق هذا الكتاب الصدى والسدى والهدى والعدا، في توصيفات تسكب نضارة في صحراء تغزوها غثاثة المعاني. يُطرّز محمّد كلماته كثوب تراثيّ أصيل مشغول بالمحبّة، ينسج في أكمامه أكاليل من الشوق والشوك بتشبيهات وصور خلابة (ارفع قلبي عاليا)، ويوظف الحضارة بمهارة وشطارة ونضارة، ولا يبخل علينا بالعُصارة، فيستحضر التاريخ والجغرافية، ويُبَوْصِلُها في مسافات الريح من نيرون روما، إلى سين باريس، إلى نابليون الذي يخطف قلب الشمس، إلى هوميروس أثينا عبر ثنايا الإلياذة والاوذيسة، بين الحاضر والأمس، ومعه تمضي إلى سراديب التاريخ، وتكون بأمسّ الحاجة إلى قناديل المعرفة المُشعّة بالنور، لتفتح أمامك الطريق. صفوة القول التي تختزل مسافات الشعر والنثر هنا، هي عبارة تتركك في حالة من ذهول.. (إنّي وقد انتصرت اليوم على شهوة الدم سأغني.. سأغفو ملء جفني وأغني). ونحن معك، الشاعر الخلّاق محمد بكرية، سنغني.. ملءَ الوتر سنغني، وبعمق الجرح سنغني وبحضور الحنجرة سنغني، فأوركسترا الحياة تُخرس فحيح مَدافع الحرب وتغني.. معك سنغني..!! تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |