|
|
|
شوقية عروق منصور: المطر الأحمر والأطفالالتاريخ : 2024-09-11 19:42:00 |** يحدث في غزة فقط لوحة فنية.. كيف يلتقيان: مطر السماء النظيف الذي يحمل الخير ويمسك أيدي البشر ويرفعها إلى فوق شاكراً الله ، يصلي صلاة العطاء ويمزج الفرح مع دموع الرجاء ويمسح اليباس وينعش الأرض، وبين قصف المدافع والطائرات التي تحمل الدمار والقتل، فقط في سماء وفضاء غزة يتحول استجواب الغيوم إلى اعتراف من الغيوم أن أهالي غزة يستحقون الحياة، وأطفالها يستحقون الركض والرقص واللعب والفرح بهطول المطر . بين الخيام حيث تحولت الأرض إلى وحل والغوص في الوحل من أجمل الألعاب التي يشتهيها الصغار، وحين نحصي ضحكات الأطفال الذين أخذوا يتراكضون ويغنون تحت قطرات المطر، خاصة حين تحولت الأرض تحت أقدامهم إلى مساحة ترتدي ثياب التنكر لحالات الخوف والاختباء والرعب، وكان اصرارهم الإمساك بحبال المطر وصنع حكايات سيقصونها عندما يتوقف المطر، في المقابل تصر الطائرات الحربية أن تجعل من حبال المطر مشانق لقتل الضحكات . حين كان الأطفال يمسكون المناشير التي تنثرها الطائرات الإسرائيلية في سماء غزة، كان هؤلاء الأطفال ينظرون إليها دون اهتمام ، فقط يحرصون أن يجمعوها لعلهم يستخدمونها للطهي أو لأمور أخرى . لكن مطر السماء الهابط والنازل من سماء غزة يجعلهم يفتشون عن لغة الفرح فيركضون ويغطسون بحفر الوحل التي امتلأت بالمياه والأمهات ينظرن من بين شقوق الخيام دون أن يصرخن كالعادة خوفاً عليهم من البرد أو من اتساخ الملابس ، فهذه اللحظات لا تتكرر بل تحمل الفرح العابر. وكأن قلوب الأمهات كانت تقرأ أطراف أصابع الخوف وتحفظ أبجدية القلق ، فجأة بدأ القصف وبدأت الخيام ترتجف من الأزيز والفزع والضجيج والهروب.. واختفت الضحكات وتعثرت الأقدام الراكضة بين الحفر وضيق الممرات بين الخيام . بعد انتهاء القصف كانت الأمطار ما زالت ترسل رسائل الحنان، كان يوقفها صرخات الأمهات التي أخذت تشق الفضاء وهمهمة الرجال التي تحولت إلى غضب يتجرع الاحزان والتنهدات، وعزيمة الأيدي التي كانت تفتش بين الوحل وآثار الخطوات عن ضحكات غابت وتحولت إلى أرقام يلفظها الاعلام بأسلوب روتيني يقفز بين السطور وسرعان ما ينام بين الصفحات. لوحة إنسانية عنوانها "المطر الأحمر والأطفال" لن تجد الجدار أو المتحف لتعلق عليه قد تحملها رائحة الحكايات كقصة مرت خلال الحرب. ولكن ذلك الطفل الذي نجا من الرصاص وهو يرقص مع المطر سيحكي القصة لأحفاده، هذا هو تاريخ الشعوب الذي لا ينام ولا يدفن رأسه في الرماد، بل يبقى مستيقظاً مع الأجيال . ** عظام "أحمد" عشرات الأدباء كتبوا عن الأمهات، وحين قرأت رواية "الأم" للكاتب الروسي "مكسيم غوركي" في المرحلة الثانوية شعرت أنها خلاصة مشاعر وأحاسيس الأمومة. لكن مع الأيام اكتشفت أن الأم الفلسطينية مختلفة كلياً، وهناك مئات القصص التي تنحني أمام عظمتها وألمها ووجعها وانتظارها وخوفها وقلقها. وأم "أحمد" من غزة كباقي الأمهات اللواتي فرقت الحرب بينهن وبين الأبناء، لكن في قرارة نفسها كانت متأكدة أن ابنها قد قتل غير انها لم تعرف أين جثمانه. وبعد مرور عدة أشهر، أخبرتها إحدى صديقاتها أن "أحمد" جاء إلى ابنتها في الحلم، وأخبرها أنه تحت ركام البيت المكون من ثلاثة طوابق وفي المكان الفلاني. وهرعت والدة "أحمد" إلى المكان وأخذت تفتش وتحفر بمساعدة بعض الرجال والشبان بين الركام، حتى وصلت إلى الجثة فوجدتها قد أصبحت كومة من العظام، فقامت الأم بصبرها وألمها بتجميع العظام التي تناثرت نتيجة ثقل الحجارة والتراب، وحملتها "عظمة عظمة" - كما قالت، ودفنتها إلى جانب والده الشهيد. الموقف قاسٍ وجنوني وخارج من الزمن الغزي، ينتزع الآهات وينسف الصبر في أعماق الأمهات. عذراً "مكسيم غوركي" روايتك "الأم" قصيرة القامة أمام جبروت الأم الفلسطينية...!!
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |