د.محمد حبيب الله: ما بين عصر الظلمة وعصر النور
التاريخ : 2023-02-16 19:17:19 |
اصطلح المؤرخون على اطلاق التعبير "عصر الظلمة" تاريخيا على العصر الذي عاشته اوروبا والذي تلى العصر اليوناني بكل ما حمله من تراث حضاري وعلمي وادبي والعصر الروماني بكل ما اغنى به البشرية من تراث وعلم وحضارة ايضا, متناسين ان ما بين هذين العصرين الاول والثاني وبين العصر الحديث في اوروبا كان هنالك العصر الاسلامي الذهبي الذي امتد تأثيره من المحيط الاطلسي غربا الى اخر بلدان الشرق الاقصى. هذا العصر الاسلامي الذي كان يضيء الظلام في العالم في نفس الوقت الذي كانت فيه اوروبا تعيش عصرا مظلما. هذا العصر الاسلامي كان مصدر نورٍ واشعاعٍ للأوروبيين عن طريق الاسلام في الاندلس. لقد كان الراغبون في العلم والتنور يتفاخرون بأنهم قد ذهبوا الى الاندلس من اجل التعلم والاستزادة بما لم يعرفون في اوروبا. لقد شهد التاريخ لعلماء مسلمين كثيرين كان لهم دور كبير في تطوير العلوم على انواعها علمية وادبية وفلسفية في حينه وفي العصر الحديث. لقد شهد الناس ما كان لابن خلدون من مساهمة في تطوير علم الاجتماع من خلال كتابه المشهور "كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" هذا الكتاب الذي اشتهر بمقدمته "مقدمة ابن خلدون" والذي اعتمدته الجامعات الاوروبية لاحقا وحتى يومنا هذا. هذا العلامة الذي كما قيل عنه انه كان يعلم قبل اربعمئة سنة في المستقبل وفي كل ما يجري من احداث في هذا العالم هذه الايام.
لقد اغفل العرب دور الاسلام في علوم كثيرة تتصل بالهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وانهم حافظوا على الفلسفة اليونانية وطوروها وبفضلهم وصلت الى العصر الحديث امثال العالم الخوارزمي ووضعه اسس علم الجبر واختراعه الصفر الذي لولاه لما حدث ما يحدث من انقلاب في عالم الرقميات اليوم وان ما يسمى اليوم "علم اللوجيريثمات" هو تحويل لاسم الخوارزمي في اللغة اللاتينية, لقد كان العالم في حينه يستعملون الارقام اللاتينية المعروفة والتي لا تسع صفحة او اكثر لحل مسألة رياضية. اضف الى ذلك علماء كثيرون احدثوا انقلابا معرفيا في علم الفيزياء والكيمياء والجبر والرياضيات والفلك والجغرافيا ورسم خريطة الكرة الارضية والافلاك التي تحيطها... امثال الحسن ابن الهيثم صاحب النظريات في المرايا والبصريات ومهّد لاختراع الكاميرا والتصوير وصاحب فكرة بناء سد النيل وجابر ابن حيّان وابن بطوطة والعباس ابن فرناس صاحب فكرة الطيران والذي طار بجناحين ووقع على الارض بسبب عدم وضع ذيل للجسم الطائر الذي اخترعه والكِندي وابن النفيس والادريسي وابو بكر الرازي وابن سينا وابن رشد. وهنا لا بد لي من ذكر مفارقة حدثت معي عندما كنت مع صديقين لي في رحلة الى الاندلس عن طريق شركة "كوسموس" اللندنية, ذلك ان المرشد السياحي وعند وصولنا الى قرطبة بدأ يشرح عن حارة اليهود والرمبم "رابي موشي بن ميمون" واشار الى النصب التذكاري لهذا العالم اليهودي ولم يذكر شيئا عن حالة اليهود السعيدة في ظل الدولة الاسلامية ولا عن علماء اخرين عاشوا في الاندلس حيث لم يذكر الفيلسوف العالمي المعروف ابن رشد وعندما سألته: "وماذا عن ابن رشد" اجابني: "هل تعني (aveross)" هذا الاسم الذي اطلق عليه باللغة اللاتينية, عندها اجاب نعم اعرف وهذا النصب التذكاري الى جانب الرمبم هو نصب ابن رشد وحين سألته لماذا لم تذكره في حديثك ولم تذكر الاسلام الاندلسي الذي احتوى اليهود واقتصرت على ذكر حارة اليهود الذين سكنوا مع المسلمين في الاندلس وعاشوا عصرا ذهبيا في ظل الحكم الاسلامي بالمقارنة لما كانوا يعانون منه في الدول الاوروبية بشكل خاص قال "انا اسير حسب التعليمات التي تلقيتها من المكتب السياحي". لا بد من ذكر قصة الساعة الدّقاقة عند العرب والتي ارسلها في حينه هارون الرشيد الى ملك فرنسا وعندما بدأ الحضور بتشغيلها وسماع صوت الدّقات فيها هرب الحاضرون وظنوا ان هذا من عمل شياطين يسكنون داخل هذه الساعة. يجب ان لا ننسى ان الارقام المستعملة اليوم في كل العالم هي ارقام عربية اهديت لأوروبا والعالم واقتصر المسلمون على استعمال الارقام الهندية المتداولة في العالم العربي, لقد دعوت وادعو جميع العرب الى استرجاع ارقامهم لأنها اسهل في التعامل بسبب كونها "عالمية".
انه لمن دواعي الفخر لنا عربا ومسلمين ان نكون من بُناة الحضارة التي نمت وتطورت في العصر الذهبي للإسلام واضاءت النور للعالم التي سادته الظلمة في اوروبا في ذلك الوقت. وانه لمن المؤسف والمحزن ان ما يجري اليوم في عالمنا العربي بشكل خاص دليل على الانطوائية والاكتفاء بالافتخار بالماضي دون ان يقدموا للبشرية ولأنفسهم اختراعات عصرية حديثة مثل في ذلك ليس فقط ما يجري في الغرب وانما ما يجري في دول الشرق الاقصى مثل اليابان والصين وكوريا. ان هذا الامر لا يعني اننا غير قادرين على ذلك بل السبب كامن في اهتمامنا بالقشور وغرقنا في كل ما يتعلق بالطعام والشراب وصرف عائدات النفط على امور ليست في اولويات العالم المتحضر اليوم ويشهد العصر الحديث على علماء عرب هاجروا الى الغرب واحدثوا انقلابات واوجدوا اختراعات وبرزوا هناك في علوم عصرية حديثة تصل الى غزو الفضاء, ذلك ان لديهم في هذه البلاد دفيئات تنمي فيهم روح الابداع والاختراع فالسبب في ذلك ليس في اولادنا وانما في البيئة التي نعيشها تحت انظمة بائدة.
ارسل لصديق
نسخة للطباعة
شارك