لا اعلم حقيقة ما زفّه المشعوذون والمنجمون، وهم كثرة، بداية هذا العام الى الناس من تكهنات لأحداث قد تعصف بهذا العالم، ونحن جزء منه، ولكني اعلم علم اليقين بأني كنت منذ عقد من الزمان ونيف اشير من خلال كتاباتي عبر صحيفة "المسار"، او في وسائل التواصل الاجتماعي، الى الآثار الكارثية المترتبة على انهيار منظومتنا الاجتماعية، المختلة اعصابها واخلاقها ونمط معيشتها ونوعية تفكيرها المأزوم، لا كميته ووفرته!

* على اعتاب العام الدراسي الجديد

كنت أقف موقف المراقب من كل الحاصل في المنظومة التعليمية في مدينة ام الفحم، ولكني لم أنحُ بنفسي كما اختار الكثيرون من رجالات المعارضة، الذين اسكتت ألسنتهم او أقلامهم بتعيين هنا او بوعد هناك.

لست بصدد اتهام جماعة او تيار او فرد معارض بعينه، ولا بصدد توجيه اصابع الاتهام الى اي مؤسسة تربوية او صرح تعليمي بعينه. ولست مخولا بمحاسبة الكوادر التعليمية او الكوادر الادارية في صروحنا التربوية ومراكزنا الثقافية، ليس من باب الخوف او التراخي ولكن من باب فهمي المسبق بان الاجابات ستأتي سريعًا سريعا لاي نقد عن اي تقصير او خلل في كل المدارس والصروح التربوية، مرورًا من اقسام التربية البلدية وما تضخّه من ميزانيات ونفقات، وانتهاء بالكوادر التعليمية التي ما أًهِلت للتعاطي مع المتحولات الجذرية والكارثية التي ألحقت هذا الكم من الاذى بأجيال تنمو في مجتمع عنيف، يهوي بأخلاقه الى القعر يومًا بعد يوم ويصعد بأرقام ضحاياه صرعى الاجرام الى حدود السماء!

قد يلومني البعض وقد يشد على يدي البعض الآخر. واشير من خلال هذه الاسطر الى اصحاب الضمائر الحية من الكوادر التدريسية والادارية الحريصين على مستقبل أجيال، تترنح تحت ثقل التخبط الفكري والاجتماعي. بعضهم قد يجاري التيار، واقصد اصحاب الضمائر الميتة الذين لا تربطهم بأزمات الجيل اي رابط او اهتمام، والبعض قرر السباحة عكس التيار فانتفض وعلت صرخته. ولكنه اصطدم بألف من العراقيل، التي ادّت به في نهاية المطاف الى الاستقالة او الخروج المبكر الى التقاعد.

الجيل امانة في اعناقكم.. وفي ظل الشح المقيت في الميزانيات - كما هو حال السلطات المحلية العربية، بقيت مدارسنا وصروحنا التربوية متخلفة عن شبيهاتها في الوسط غير العربي، ان جاز لي ان استثني المدارس التي تتبع الجمعيات الربحية!

* صيف يشارف على الانتهاء

لن ابخس الرئيس الحالي لبلدية ام الفحم د. سمير محاميد حقه، فقد اجتهد الرجل على مدار الساعة منذ توليه ادارة امور البلدية الى الساعة محاولا تذليل الصعاب والمطبات التي وُضِعت امام تقدم هذا البلد قيد انملة الى الامام خلال عقود. ولكن بالمقابل، لا زالت هناك الكثير من المهام الجسيمة الملقاة على كتفيه. منها اجتثاث المحسوبية الفئوية وتحييد تأثير رجالات "الدولة العميقة" الى غير رجعة، ومنها ضخ المزيد من الميزانيات الى المدارس لينمو طلابنا في بيئة صحية دون مكاره صحية تعيق سير عملية التعليم والتعلم.

لا ادّعي بان الدكتور سمير لا يبخل باي مجهود للنهوض بهذا البلد، ولكن لا تزال هناك ازمات السير الخانقة والعنف المستشري وتقهقر الحركة الاقتصادية في ام الفحم. ويؤلمني حقًا المآل الذي آلت اليه معظم المصالح التجارية في المدينة، في الوقت الذي تعصف بالبلاد ومجتمعنا العربي المأزوم حاله موجة من الغلاء الفاحش والفقر، التي طالت معظم السلع التي يستهلكها العرب خاصة، بشراهة ودون اي تدبير!

* وللخريف الكلمة الفصل

لم اتربع كغيري لعقود فوق اي كرسي يدير موقع قرار في اي مرفق او مؤسسة في هذه المدينة، ولا تلقيت وعدًا للتعيين بالواسطة والمحسوبية، ولا اسكتُّ صوتي الحر او توانى قلمي عن قول وكتابة الحقيقة الى الناس.

ولكني بالمقابل كنت قد عينت سفيرًا للخريف في هذه الربوع، وهو باعتقادي ملك الفصول وسيدها دون منازع. وبعد قليل ستهوي الاوراق الصفراء من على اغصان قد ملّت الضجيج الصيفي والتوريث الموسمي.

وبعد قليل سيحمل الريح تلك الاوراق الى بعيد، وستنجلي ربما الحقيقة التي نعرفها ولكننا نتجاهلها او نغيّبها عن ناظرينا، ومفادها وخلاصتها ان لكل زمان دولة ورجالًا، واستراتيجيات وتطلعات وطموحات جيل كامل. فليكتب التاريخ بان القيادة الواهية، كأوراق الخريف الصفراء، سيلقى بها بعيدًا الى غياهب الاندثار.

وأمّا ما ينفع الناس ويرقى بطموحاتهم، ولو قيد انملة، فهو باقٍ ينصّبه الخريف سفيرًا ما بقيت في انفاسه جرعات من امل...!!