|
|
|
محمّد علي طه: نهاية رجل طمّاح!التاريخ : 2023-12-03 15:05:18 |
عندما جلس على مقعد رئاسة الحكومة، قبل عقدين من السّنين، اتّخذ قرارين هامّين في برنامجه السّياسيّ لهما أبعاد خطيرة على صورة الدّولة الّتي فاز برئاستها وقيادتها وعلى ما سوف يبقى منه للتّاريخ. باشر بنيامين نتنياهو منذ بداية فترة حكمه، فكرًا وممارسةً، سرًّا وعلانيةً، بمحو اتّفاق أوسلو، الّذي عارضه بشراسة، وبطمس أي اعتقاد أو أي حديث أو حتّى أيّ حلم عن قيام دولة فلسطينيّة، مهما كانت مساحتها صغيرة، بين النّهر وبين البحر. وأنكر وجود شعب اسمه الشّعب العربيّ الفلسطينيّ، ووجد أنّ المستوطنين في الضّفّة الغربيّة الّتي يسّميها "يهودا والسّامرة" هم الرّكيزة الأساس لفكره وحلمه، فهم أصدق وأخلص لهذا الفكر الصّهيونيّ الاستعماريّ من جميع الأحزاب الصّهيونيّة، بما فيها حزب اللّيكود الّذي كان قد تنازل عن مستوطنات بعد اتّفاق كامب ديفيد، فعمل نتنياهو بذكاء ودهاء واستمراريّة على دعم المستوطنين والاستيطان وفتح لهم النّوافذ والأبواب كي يتسللوا الى المراكز والمناصب الحسّاسة في أجهزة الدّولة، فسيطروا على دوائر هامّة ووزارات كبيرة في خلال العقدين الماضيين مثل الشّرطة. وتسلّلوا الى "تساهل" ووزارة الأمن. كما سيطروا على جهاز القضاء، حتّى أنّهم وضعوا قدمًا في محكمة العدل العليا. ثمّ استولوا على وزارة الماليّة وعلى الكنيست ولجانها المختلفة. وسنّوا القوانين العنصريّة الّتي تخدم أهدافهم وخنقوا الدّيموقراطيّة، لأنّها تتعارض مع نهجهم وصار رئيس الحكومة الّذي دعمهم وربّاهم في دفيئته رهينةُ في أيدي المستوطنين اليمينيّين جدًّا، الّذين يمثلّهم سموطرتش وبن غفير وأتباعهما من وزراء وبرلمانيّين يمينيّين متطرّفين مغمورين.. وهذا يعني أن المستوطنين صاروا الحكّام الفعليّين لدولة إسرائيل. كما صارت كلمة "يسار" شتيمة، وكلمة "سلام"، جريمة وكلمة "دولة فلسطينيّة" خيانة عظمى. وبموازاة ذلك، اختار نتنياهو سياسة خنق السّلطة الفلسطينيّة، سياسيًّا واقتصاديًّا، في سبيل القضاء عليها وتصويرها محليًّا وعالميًّا سلطة داعمة للإرهاب بالمال وبمناهج التّدريس. كما ألصق تهمة ناكر الكارثة والمحرقة برئيسها. وهكذا اعتقد الرّجل أنّه حقّق الشّطر الأوّل من برنامجه السّياسيّ والفكريّ، وبخاصّة بعدما شكّل حكومة يمينيّة مئة بالمئة قبل سنة تقريبًا.. فماذا عن الشّطر الثّاني من برنامجه السّياسيّ؟! يعرف نتنياهو جيّدًا، وهو الرّجل الذّكيّ والمثّقف، أنّ ثلاثة رؤساء فقط من رؤساء حكومات إسرائيل دخلوا التّاريخ.. أوّلهم دافيد بن غوريون مؤسس الدّولة، وثانيهم الزّعيم اللّيكوديّ مناحم بيغن الّذي وقّع على اتّفاق السّلام في كامب ديفيد مع أنور السّادات - رئيس جمهوريّة مصر العربيّة، وثالثهم خصمه اللّدود إسحاق رابين، الّذي وقّع على اتّفاق السّلام في وادي عربة مع الملك حسين - ملك المملكة الأردنيّة الهاشميّة. ويدرك نتنياهو جيّدًا ألّا مجال له لمنافسة الرّئيس المؤسّس للدّولة، لكنّه يطمح بالتّفوّق على الرّئيسين بيغن ورابين. وهو كما يعتقد الأذكى والأفصح والأقدر منهما، فوجد ضالته في اتّفاقيّات إبراهيم لتحقيق حلمه وطموحه، وأدرك أنّ هذه الاتفاقيات لن تكون ناجحةُ وبارزة تؤهّله دخول التّاريخ بدون المملكة العربيّة السّعوديّة وبدون قائدها الشّابّ ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان، فبدأ بالعمل مدعومًا من الولايات المتحدّة الأمريكيّة لتحقيق سلامٍ شرق أوسطيّ مع المملكة العربيّة السّعوديّة، يطمس فيه القضيّة الفلسطينيّة ويخفي شعبها. وتخيّل قادة الدّول الاسلاميّة من المغرب العربيّ الى اندونيسيا يهرعون اليه، حاملين الخبز والبّخور والورد، ويقفون على بوّابة ديوانه في شارع بلفور، بعدما صار بطلًا للسّلام الاسرائيليّ العربيّ وبذّ سلفيه بيغن ورابين! ومن سخرية القدر أنّ السّجين الأمنيّ المحكوم عليه بالسّجن ما يزيد على أربعمائة عام، والّذي أطلق نتنياهو سراحه في صفقة شاليط، بدّد أحلامه في صباح السّابع من أكتوبر وكتب نهايته التّاريخيّة...!!
تعليقات الزوار Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/include.php on line 0 Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /home/almsar/domains/almasar.co.il/public_html/admin-aps/plugins/comments/ARA_load.php on line 0 |